للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقدير المقدّر وقياس القائس، والصلاة على محمد نبيّه المصطفى، ورسوله الأكرم المجتبى، المختار من أشرف المحاتد (١) وأطيب المغارس، المسكت بفرقانه المعجز، وبيانه الموجز، كلّ نافس، والماحى بنور نبوته الخاتمة للملل، وشريعته الناسخة للأديان والنحل، مظلمات الغياهب (٢) ومدلهمات الحنادس».

وابن محشرة فى هذا التحميد وما تلاه من الصلاة على الرسول الكريم يختار حرف السين لسجعاته فيهما، وبدءا من السجعة الرابعة أخذ يطيل السجعة لتتوازن العبارات أو التعبيرات داخلها بحيث تتشابك ألفاظها وتتعانق فى سجعات داخلية، ليدل على مدى قدرته فى السجع وصياغته، وهو يضيف إلى ذلك عناية واضحة بالتصوير كما فى قوله «ألان بأيده قباح أو عضد الجامح الشامس» وتتوالى كتابات وتصاوير مختلفة كقوله عن الرسول إنه من أطيب المغارس ومحا بنور نبوته مظلمات الغياهب ومدلهمات الحنادس. ويقول-على لسان يعقوب-إن صاحب قشتالة المسيحى فى الشمال حين علم بهذا الجيش سارع إلى إعلان تمسكه بعهده مع الموحدين وأنه مستعد من أجلهم لمحاربة أهل ملته، فأمضى له يعقوب السلم. وبالمثل سارع صاحب ليون يطلب تجديد مهادنته، وهادنه يعقوب ليفرغ لابن الريق النصرانى فى الغرب. ويصف ابن محشرة انتساف الجيش لزروعه فى شنترين وإحراقه وتخريبه لمنازله وربوعه، ويصور استيلاء جنوده على قلعة طرّش المنيعة، بقوله (٣):

«نهدوا (٤) إلى قلعة للأعداء تسمى «طرّش» على هضبة منيفة (٥) المراقب، مسامية للكواكب، قد انقطعت حافاتها، وبعدت قذفاتها (٦) من كل الأرجاء والجوانب، ولعظمها ومكانها من نفوسهم أشبّوها (٧) بالبناء الشامخ وحصّنوها، وألقوا بها جموعهم المؤتشبة (٨) ووثقوا بها على حفظ نفوسهم وأموالهم وائتمنوها، واعتدوها (٩) قفل بلادهم، فخانتهم- بحمد الله-آمالهم التى أمّلوها (١٠)، وكذبتهم ظنونهم التى ظنوها. ولقد كانت من المنعة بحيث لا ترام، ولا يهتضم (١١) المتوقل فيها ولا يستضام، ولا تثبت لمحاربها-لوعورة مراقيها (١٢) وجوانبها-الأقدام. لولا سعود هذا الأمر (١٣) الذى تؤيده الأقدار وتنجده الأيام، والحمد لله


(١) المحاتد جمع محتد: الأصل.
(٢) الغياهب جمع غيهب والحنادس جمع حندس وهما الظلمة.
(٣) انظر مجموع رسائل موحدية ص ٢٢٣.
(٤) نهد: نهض.
(٥) منيفة المراقب: عالية مواضع المراقبة.
(٦) قذفات جمع قذفة: جانب بعيد.
(٧) أشبوها هنا: حموها.
(٨) المؤتشبة: الملتفة.
(٩) اعتدوها: عدوها وفى الأصل: اعتدوا.
(١٠) بعد أملوها كلمة زائدة: «فى استقصائه»: حذفت.
(١١) يهتضم المتوقل: يقهر المقيم فيها. يستضام: يظلم.
(١٢) مراقيها: أماكن الصعود فيها وفى الأصل: مراقبها.
(١٣) هذا الأمر: هذه الدعوة دعوة الموحدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>