عن تاريخ مولده ووفاته سوى أنه أملى كتابه فى البديع أو أنهى تأليفه سنة ٧٠٤ هـ/١٣٠٥ م مما يؤكد أنه كان معاصرا لابن البناء.
ومر ذكر ابن البناء فى حديثنا عن علوم الأوائل، وقلنا هناك إنه بلغ الغاية فى مختلف العلوم الدينية واللغوية والبلاغية وفى العلوم الفلسفية ولا سيما فى الرياضيات والفلك. وعلى نحو ضبطه لقوانين الرياضة ضبط قواعد النحو فى كتاب سماه الكليات النحوية، وأكبر الظن أنه وزع قواعد النحو فيه على كليات عامة تستقصى كل كلية مجموعة من قواعده. وبالمثل صنع بالبديع فى كتابه: «الروض (١) المريع فى صناعة البديع» والمريع أى الخصب وكلمة البديع عنده تعنى بالضبط ما عناه بها ابن المعتز فى كتابه «البديع» إذ ساق فيه الصور البيانية من تشبيه وغير تشبيه والألوان البديعية من طباق وغير طباق والأصباغ البلاغية فى علم المعانى، إذ ذكر بين محسنات الكلام الالتفات ورد الأعجاز على الصدور وتجاهل العارف وتأكيد المدح بما يشبه الذم والعكس والخروج من معنى إلى معنى ويشمل الاستطراد. وبذلك تضمن كتاب ابن المعتز علوم البلاغة جميعا وكان الزمخشرى أول من ميّز بين علمى البيان والمعانى كما جاء فى مقدمة تفسيره:«الكشاف» وجعل علم البديع ذيلا لهما كما يقول السيد الجرجانى فى شرحه لكتاب المفتاح للسكاكى. وبهذا التصور كتب السكاكى وتوالت بعده الكتب البلاغية تجمع بين هذه العلوم لثلاثة: البيان والمعانى والبديع، غير أن بعض علماء البلاغة رأى أن يعود إلى التعبير بكلمة البديع عن كل هذه العلوم على نحو ما يلاحظ عند ابن أبى الإصبع المصرى المتوفى سنة ٦٥٤ هـ/١٢٥٧ م فى كتابه «بديع القرآن». فكلمة البديع عنده- كما عند ابن البناء-تعنى علوم البلاغة من بيان ومعان وبديع، وقد بلغ تعداد محاسنها وقواعدها عند ابن أبى الإصبع فى كتابه:«بديع القرآن» مائة قاعدة ونيّفا، وبلغت فى كتاب ثان له باسم:«تحرير التجبير فى صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن» مائة وخمسا وعشرين قاعدة. وكأنما رأى ابن البناء بعقله المنطقى أن ييسر تصورها على الدارسين بوضع كل مجموعة من القواعد الجزئية الكثيرة عند البلاغيين فى قاعدة كلية تجمعها أو قل تجمع ما رآه حريا ببيانه وتوضيحه، وهو يقدم لكتابه بتوطئة-أو كما نقول الآن بتمهيد-يتحدث فيها عن تأليفه للكتاب وغرضه منه قائلا:«غرضى أن أقرر فى هذا الكتاب من أصول صناعة البديع ومن أساليبها البلاغية ووجوه التفريع [فيها] تعريفا غير مخلّ، وتأليفا غير ممل، يصغر جرمه ويكثر علمه. . ومنفعته فى زيادة المنّة، وفهم الكتاب والسنّة» ويريد بزيادة المنة زيادة القدرة على فهم البلاغة القرآنية والنبوية وتلى ذلك ثلاثة أبواب: والباب الأول مقدمات فى الدلالة والكلام والبديع وهو فى ثلاثة فصول أولها يتناول الدلالة وارتباطها باللفظ والمعنى فى أقسامها،
(١) حقق هذا الكتاب ونشره الأستاذ رضوان بنشقرون فى الدار البيضاء بالمغرب الأقصى.