للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإقدامه فى الحرب وشدته على العصاة، ويختم القصيدة بمبالغات طالبا إلى سامعيه أن يجثوا على الرّكب إعظاما ليوسف. وبحق يمجّد انتصار يعقوب بن يوسف فى موقعة الأرك التى سحق فيها نصارى الإسبان ومزق جموعهم تمزيقا، وكان حريا بابن سعيد أن ينشد القصيدة كاملة فى كتابه الغصون اليانعة، ومما أنشده قوله ليعقوب (١):

أطاعتك الذّوابل والشّفار ... ولبي أمرك الفلك المدار (٢)

ببشرى مثل ما ابتهجت رياض ... وسعد مثلما وضح النهار

وفتح مثلما انفتحت كمام ... وشقّت عن صدور مها صدار (٣)

وآمال كما مدّت ظلال ... وأفعال كما مدّت بحار

وأعلام بنصرك خافقات ... لها فى كل جوّ مستطار

ليهنئ أرض أندلس بدور ... من السرّاء ليس لها سرار (٤)

وهو نصر عظيم فى الأرك طوّق يعقوب بمجد وفخر لا يماثلهما فخر ومجد. وكانت دولة الموحدين دولة ظاهرية كما مر بنا فى الفصل الثانى، وكانوا يدعون إلى المذهب الظاهرى وإلى نبذ كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، ويسمونها كتب الفروع. ولا نصل إلى عصر يعقوب حتى تبلغ هذه الثورة على كتب المذاهب الأربعة الكبرى غايتها فيأمر بإحراقها بعد أن يجرّد ما فيها من آى القرآن والأحاديث النبوية وأن يحمل الناس على الظاهر من الذكر الحكيم والحديث الشريف، وينوه بذلك غير شاعر فى مديحه، من ذلك قول قاضى قضاته أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن مروان كما جاء فى الغصون اليانعة لابن سعيد (٥):

نصرتم لأن الحق آن ظهوره ... وناصره فى الله ما كان يخذل

قطعتم فروعا قد أضرّت بأصلها ... ألا هكذا من كان بالعدل يشمل

والأصل الذى يقصده هو القرآن والحديث النبوى الذى يأخذ بهما الظاهرية. ويقول ابن سعيد فى الغصون اليانعة إن لابن الياسمين قصيدة منصورية يذكر فيها قطع المنصور الاشتغال بكتب الفروع أى كتب المذاهب الفقهية الأربعة الكبرى والاقتصار على ما ثبت من الأحاديث النبوية، وينشد منها قوله (٦):

أسيّدنا قد وردتم بنا ... موارد كنا عليها نحوم

نبذتم مقالة هذا وذا ... فزال المراء وقلّ الخصوم


(١) الغصون اليانعة فى محاسن شعراء المائة السابعة ص ٩٦.
(٢) الذوابل والشقار: الرماح والسيوف.
(٣) الصدار: ما تلبسه المرأة على صدرها.
(٤) السرار: آخر ليلة فى الشهر يريد أنها بدور منيرة من المسرة والرخاء لا يعقبها أى ظلام.
(٥) الغصون اليانعة ص ٣٠.
(٦) الغصون اليانعة ص ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>