للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يقول لعاذلته ابتعدى عنى، فساحتى لا تقربها العواذل، وإن دمى لصاحبتى حلال ولا أقبل فيه قول قائل. وإن روائح الغوالى أو الطيب لترافقها وتنم عنها ثيابها، وإن عينيها لترسلان سحرا كأنه مجلوب توا من بابل بلدة الساحرين هاروت وماروت، وكأنى بالروض يعير وجنتيها وردا بديعا لا يذبل أبدا كحبها، وإنها لتسبيك بلطفها ورقتها ولطف شمائلها، مما يجعلك تعشقها عشقا متصلا. ويقول عبد المهيمن الحضرمى الوزير المرينى المتوفى سنة ٧٤٩ للهجرة (١):

كانوا نعيم فؤادى والحياة له ... فالآن كلّ وجود بعدهم عدم

بانوا فعاد نهارى كلّه ظلما ... وكان قربهم تمحى به الظّلم

والعين منّى لا ترقا مدامعها ... كأنها سحب تهمى وتنسجم

تبكى عهود وصال منهم سلفت ... كأنما هنّ فى إنسانها حلم

لئن ضحكت سرورا بالوصال لقد ... بكيت حزنا عليهم والدموع دم

هم علّمونى البكا ما كنت أعرفه ... يا ليتهم علّمونى كيف أبتسم

وهو يفدى بنفسه عهدا جميلا استطاب له العيش فيه وجيرة كان يأنس بوصلهم، وكانوا نعيم فؤاده وحياته، ورحلوا فأصبح كل وجود بعدهم كأنه عدم، وأصبح النهار كله ظلمات بعضها فوق بعض وكان يمحى بقربهم كل ظلمة وكل ظلام، وإنه ليبكيهم ولا تجف دموعه كأنها سحب تهمى مدرارا، وعينه تبكى عهدا يبدو فى إنسانها وكأنما كان حلما، ولئن ضحك سرورا بهم قديما لقد أصبح يبكيهم بدموع قانية كأنها دماء مسفوحة، ويقول إنهم علموه البكا ولم يكن يعرفه، ويتمنى لو كانوا علموه كيف يبتسم إذا نزلت به المحن والخطوب. ونمضى إلى العصر السعدى ونلتقى فى كتاب روضة الآس للمقرى بمحمد الوجدى العماد المتوفى سنة ١٠٢٢ للهجرة، وله من قصيدة غزلية (٢):

إن الرشاقة واللطافة والصّبا ... حة والحلاوة والملاحة والحور

صيغت لمن أهوى وألبس سندسا ... منها وديباجا عليه قد ظهر

وإذا نظرت لوجهه ولعينه ... قلت الجمال من الخدود قد انفجر

عينى وأذنى فى النعيم بنظرة ... وبلفظة منه وقلبى فى سقر

هل عطفة أو زورة أو وقفة ... أو لفظة تقضى بإدراك الوطر

وهو يجمع لصاحبته فنون الحسن من الرشاقة واللطافة والصباحة والحلاوة والملاحة وحور العين الفاتنة، وكأنما صيغ لها من كل ذلك سندسا وديباجا لبسته، وإنك لتخال كأنما الجمال اجتمع بكل فتنه فى وجهها، وإنه ليخال كأنما عينه حين تنظر إليها وأذنه حين تصغى لها، كأنما هما فى نعيم الفردوس، بينما قلبه فى جحيم من الحب ولوعاته، ويتمنى عطفة منها إليه


(١) النبوغ ٣/ ٧٢ والوافى ١/ ٣٣٢.
(٢) روضة الآس ص ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>