للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاهجرنها إن زينتها ... زينة شانت ولم تزن

خدعتنا إنها قبحت ... باطنا فى ظاهر حسن

ولتقدّم ما تسرّ به ... قبل طول البثّ والحزن

فكأن أخراك ما برحت ... وكأن دنياك لم تكن

وهو يخاطب الذى غره الزمن وغرته الأيام، فأكبّ-غير مرعو ولا مزدجر-على اللهو والمجون خالع الرسن، والكلمة كناية عن إكبابه عليهما، ويقول له إن حبك الدنيا ومتاعها وزينتها وكل ما يعجبك فيها فتنة أصابتك بما لا يحصى من فتن الدنيا، ويذكر له أنه ظل عاكفا على الدنيا عكوف عابد الوثن عليه، وينصحه أن يهجرها وأن لا تغرّه زينتها، فهى زينة قبيحة تشين صاحبها، وقد خدعنا ظاهرها البرّاق، وهى فى غاية القبح، وإن واجبك أن تقدم إلى ربك ما تسرّ به فى المستقبل لا ما يحزنك ويملؤك هما فى آخرتك، فتلاف شأنك قبل مبارحتك دنياك إلى الدار الآخرة. ويقول أبو الربيع الموحدى المترجم له بين الغزلين يخاطب نفسه (١):

يا نفس حسبك ما فرّطت فازدجرى ... عن الذنوب فإن القبر مثواك

خافى الإله لما قدّمت من زلل ... واعصى هواك فإن الله يرعاك

إنّ الهوى قلما تجدى هوادته ... وهو الذى عن سبيل الرشد أقصاك

لشدّ ما تعلمين الفرق بينهما ... ما كان أحراك بالأجدى وأولاك

إلى م تلهين عن قولى مغالطة ... وتوقنين بأنى غير أفّاك (٢)

أصغى إلى فما فى الأرض من أحد ... ألقى إليه صريح النّصح إلاّك

توبى إلى الله إن الله يقبلها ... واسعى بجهدك فى تحسين عقباك

وهو يقول لنفسه: يكفيك ما فرّطت من الذنوب، وينبغى أن تقلعى عنها فإن مثواك الأخير القبر، وخافى ربك لما قدمت من عثرات، واعصى هواك فإن الله يراقبك ويعلم ما ارتكبت من الخطيئات، وإياك وطاعة هواك لما يقدم لك من متاع، فإنه هو الذى أضلك وأبعدك عن طريق الرشاد، وما أعظم الفرق بين الضلال والهدى، وما أحراك أن تتمسكى بالهدى، وحتى متى لا تسمعين لنصحى وأنى لا أكذبك، إنه جدير بك أن تصغى إلىّ وإلى نصحى، فإنك أقرب شئ إلىّ وليس فى الأرض من أسدى إليه النصح سواك، فتوبى إلى الله توبة حقة حتى يقبلها منك، واعملى بجهدك على أن تحسنى عقباك وترضى ربك. ومن كبار الزهاد عمر بن محمد القيسى المراكشى الفاسى الأصل المتوفى سنة ٦٢٦ للهجرة وكان أديبا


(١) الوافى ١/ ٢٤٩.
(٢) أفاك: كذّاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>