للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بارع الكتابة طيب النفس نفاعا بجاهه وذات يده، وكان شاعرا مجيدا، وجمع دفترا فيما نظم فى التهجد وقيام الليل أجاد فيه الاختيار، ومن نظمه فيه قوله (١):

ذهب الظلام وأنت جذع راقد ... وأتى الصباح وأنت صخر جامد

وخلت على الإظلام منك مناسك ... وخلت على الإصباح منك مساجد

وأولو التهجّد ليلهم ما منهم ... لله إلا راكع أو ساجد

وهجعت-يا مغرور-ليلك كلّه ... وعليك من عين الإله شواهد

فانظر لنفسك قبل حين مماتها ... إن الممات على البريّة وافد

وتذكّر السّفر البعيد وطوله ... من غير زاد والمجال فدافد (٢)

واذكر نشورك بعد موتك فجأة ... وصحائف الأعمال منك تشاهد (٣)

وهو يهيب بالغافل عن نسك التهجد أن يقوم شطرا من الليل مصليا لربه مسبحا له ذاكرا، ويقول له إنك تنام طوال الليل كجذع راقد ممدود حتى الصباح، وكأنك صخر جامد لا حس ولا حركة، وتلك المناسك: مناسك التهجد خالية منك مساء، وتلك المساجد خالية منك صباحا، وأصحاب التهجد يحيون ليلهم بالركوع والسجود لربهم بينما أنت هاجع فى فراشك أيها المغرور المذموم، وإنه لحرىّ بك أن تنظر لنفسك وتتعهدها بالتقوى قبل مماتك، إذ كل من عليها فان، وتذكر سفرك البعيد إلى يوم القيامة ورحلتك فيه دون زاد، فى مجال مقفر: واذكر بعثك بعد موتك وعرض صحائف أعمالك على ربك العلى القدير. وكان يعاصره وتوفى بعده بعام واحد عام ٦٢٧ للهجرة ابن الزيات يوسف بن يحيى التادلى صاحب أول كتاب تحدث عن زهاد المغرب الأقصى ومتصوفته وهو كتاب «التشوف لمعرفة أهل التصوف» وقد اتسع فى تصوره لأهل التصوف، إذ جعل كتابه-كما يقول فى مقدمته «يشتمل على أضراب من أفاضل العلماء والفقهاء والعباد والزهاد والورعين وغير ذلك من ضروب أهل الفضل» مما جعل تراجم الكتاب تتسع لتشمل الزهاد والمتصوفة وأهل الصلاح من العلماء والفقهاء، وبذلك نفهم كثرة التراجم فيه، إذ بلغوا كما يقول مائتين وسبعة وسبعين شخصا، ويقول إنه سيخصه بمراكش وأعمالها، غير أنه حين مضى فيه رأى أن يضم فيه كثيرين من بلدان المغرب المختلفة. والكتاب مهم لأنه يعطى صورة واضحة عن أوائل زهاد المغرب ومتصوفته حتى نهاية القرن السادس الهجرى مثل من سميناهم فى حديثنا عن الزهد فى المجتمع المغربى، مثل أبى الحسن بن حرزهم وأبى يعزى بلنور بن ميمون، ويذكر بعض أشعارهم كهذه الأبيات التى ذكرها لابن تاخميست المتوفى سنة ٦٠٨ للهجرة.


(١) الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشى ٨/ ١/٢٣٦.
(٢) فدافد جمع فدفد: الفلاة.
(٣) نشورك: بعثك.

<<  <  ج: ص:  >  >>