للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما ركبت البحر نحوك قاصدا ... ولم أر غير الله مالا ولا أهلا

دعوتك بالإخلاص والموج طامح ... بصدق وداد لم يكن قبل معتلاّ

أيا منقذ الغرقى ويا ملهم التّقى ... ويا صمدا يبقى إذا أذهب الكلاّ

لوجهك ذلّ البرّ والبحر خاضع ... وحقّ لهذا الخلق أن يألف الذلا

وهو يبتهل لربه ذاكرا أنه حين ركب البحر أسلم نفسه له ولم يعد يذكر أهلا ولا مالا سواه، وحين هاج البحر وهاجت أمواجه دعا ربه مخلصا صادق الوداد أن ينجيه ضارعا إليه قائلا: يا منقذ الغرقى ليس سواك ينجى يا ملهم المتقين تقواهم، ويا مقصودا يبقى بعد أن يفنى كل من على الأرض، لوجهك يا ذا الجلال ذلت الأرض وخضع البحر، وحق للناس أن يتذللوا لك تذللا ما بعده تذلل فأنت المنجى والمنقذ ومغيث المستغيثين.

ونلتقى فى أواخر القرن السابع بعبد الحق بن إسماعيل وكتابه عن صلحاء منطقة الريف المحاذية للبحر المتوسط شمالى المغرب الأقصى، وكأن كتابه عنهم يكمل كتاب التشوف لمعرفة أهل التصوف الذى عنى-فى الأعم الأغلب-بمنطقة مراكش كما أسلفنا، وقد جعله فى ثلاثة أقسام قسم عن المقامات الصوفية، وقسم عن الخضر عليه السلام، وقسم عرّف فيه بصلحاء الريف، وهم عنده ستة وأربعون ترجم لهم، وأتبع كل شيخ بأبيات يصف فبها زهده أو تصوفه، ومن قوله فى ترجمة سعيد المسطاسى يصف زهده وزهد أمثاله (١):

زهدوا يريدون النجاة وأصبحوا ... وطعامهم فى الأرض نبت يابس

مالوا عن الشهوات فى الدنيا فما ... لهم سوى التوفيق شئ حابس

فجنانهم من كلّ سهو سالم ... ولسانهم عن كل عيب نابس

فهم قد زهدوا فى الدنيا ومتاعها يريدون النجاة فى الآخرة من عذاب النار، وطعامهم مما تنبت الأرض من النباتات، لا يفكرون فى لحوم ولا فى طعام مطبوخ، فحسبهم ما يجدونه على وجه الأرض من النّبات، وقد رفضوا الشهوات جميعا فى دنياهم، ولا شئ يحبسهم سوى عبادة ربهم، وأذهانهم بريئة من كل سهو ولسانهم لا ينبس بعيب. وبجانب هذه المقطوعة من نظم عبد الحق بن إسماعيل مقطوعات تبدو فيها الروح الصوفية سنعود إليها فى حديثنا عن التصوف ويلقانا أبو العباس الشريف السبتى المتوفى سنة ٧٧٦ للهجرة وقوله فى ثقته بربه (٢):

وثقت بالله ربّى ... وحسبى الله حسبى

والله كاف وواق ... دافع كلّ خطب

ولست أخشى إذا ما ... وثقت بالله ربى

بلغت فيها مرادى ... مهنّأ مع صحبى


(١) الوافى ٢/ ٥٠٦.
(٢) الوافى ٢/ ٤٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>