للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونمضى إلى عصر الموحدين ونلتقى بميمون بن على الصنهاجى الفاسى المشهور باسم ميمون بن خبازة نسبة إلى خاله الشاعر الشهير بابن خبازة، لملازمته إياه وله مدحة نبوية طويلة. وسنترجم له عما قليل. وندخل فى عصر المرينيين ويلقانا فى أوائله مالك بن المرحل ومدائحه النبوية وسنخصه بترجمة، ونلتقى بأبى العباس العزفى المتوفى سنة ٦٣٣ من أهل سبتة الذى أنشأ فى بلدته-وبالتالى فى المغرب الأقصى-الاحتفال بالمولد النبوى وكان قد سبقه إلى ذلك أبو سعيد كوكبورى صاحب مدينة إربل. وأكبر الظن أن الذى ألهمهما ذلك احتفال المسيحيين بميلاد عيسى فى الحروب الصليبية بالمشرق واحتفال المسيحيين به فى الأندلس. واستنّ أبو العباس العزفىّ أن ينشد الشعراء فيه مدائحهم النبوية وتسمى الميلاديات، وكان لمالك بن المرحل غير ميلادية أنشدها فى احتفال أبى العباس العزفى. وتعنى الدولة المرينية-طوال القرن الثامن-بهذا الاحتفال، إذ يقول الحسن الوزان فى كتابه: وصف إفريقيا: «كان من عادة الحاكم فى أزهى أيام الدولة المرينية أن يحتفل بالمولد النبوى فيدعو إلى قصره العلماء وأهل الأدب فى مدينته: فاس، وكان الشعراء المجلّون يلقون فى هذه المناسبة قصائدهم بحضور الحاكم، وكان المنشدون يقفون فوق مصطبة عالية. وفى نهاية الحفل استنادا إلى حكم أشخاص من ذوى الخبرة كان الملك المرينى يمنح لأكثر الشعراء نبوغا وتفوقا مائة دينار وحصانا وجارية وكسوة، ويعطى كل شاعر من الشعراء الآخرين خمسين دينارا فينصرف الجميع وقد حصل كل منهم على جائزته أو مكافأته». ويقول الوزان تتمة لذلك إنه كان ينادى فى أيامه أوائل القرن العاشر الهجرى على الشاعر الذى ترى لجنة التحكيم أنه الأفضل شعرا بأنه أمير الشعراء لذلك العام (١). ولا ريب فى أن هذا الصنيع كان يحدث تنافسا حميدا بين شعراء فاس عاصمة المرينيين. ويشير الأستاذ ابن تاويت إلى مدحة نبوية للرحالة العبدرى فى أواخر القرن السابع الهجرى وميلادية لمحمد بن يحيى العزفى أنشدها فى احتفال لأبى سالم المرينى، ويذكر لعبد الرحمن المكودى المتوفى سنة ٨٠٧ للهجرة مقصورة ويأخذ فى تحليلها. وفن المقصورات قديم بدأه ابن دريد بمقصورة فى مديح أمير سامانى ملأها باللفظ الغريب واختار لها وزن الرجز. ونظم حازم القرطاجنى مقصورة فى مديح أبى زكريا الحفصى. . غير أن المكودى أول مغربى نظم مقصورة من الرجز فى مديح المصطفى وضمنها طائفة من الألفاظ الغريبة، ووصف فى مطالعها الرحلة إلى الحجاز وألّم بذكريات شبابه فى موطنه وضمنها كثيرا من الحكم ومن الحديث عن غزوات الرسول وعن مصير بعض الدول الإسلامية والدول التى أدال الله منها للإسلام مثل دولتى الأكاسرة والقياصرة وعرّج على بعض الدول العربية البائدة القديمة، ومن قوله فى مديح الرسول صلّى الله عليه وسلم:


(١) وصف إفريقيا (طبع السعودية) ص ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>