للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحمد لله الذى خلق الإنسان فى أحسن تقويم وجعله أفضل الحيوان، وفرّق بين الصور والألسنة والألوان، وزيّن الأبيض بشعر كالغسق (١)، وباسوداد الحاجبين وسواد الحدق. وأجلّ ما يقف له العاشقون إجلالا، ويرتجلون فيه الأشعار ارتجالا: مسكة الخال، وعقرب الدلال. ثم التفتت إلى البيضاء وقالت: يا أشبه شئ بجبن الروم. . ما زال طعامك قليل الملح، وجفنك كثير الرّشح، ولبنك أذى، وعسلى أنا غذا، ولونى لون الخمر، وطعمى طعم التمر، ثم أنشدت:

الحمد لله ليس التّبر كالورق ... قد أحسن الله فى خلقى وفى خلقى (٢)

فالجسم منى نضار صيغ منظره ... بمسكة فغدا طيبا لمنتشق

يا من يعيّرنا باللون إن لكم ... جهلا يقود إلى الطّغيان والحمق

كم أسمر قلبه كافورة وله ... من السّعادة نجم لاح فى الأفق

فلما فرغت من كلامها، وما أبدعته من حسن نظامها تبرقعت بنقابها، وسلّمت على الصفّين، وقبّلت أسارير الكفّين».

وواضح أن عبد المهيمن الحضرمى أجرى على لسان الجارية البيضاء النعوت التى تزينها فى الخلق والأخلاق مثل الحياء والكمال، وتوسع فى وصف جمالها بذكر جمال القدّ والخدّ والجبين والضفائر المغرقة فى السواد، وذكر أن ثغرها أقحوان ووجهها أرجوان، وأشاد بورد خدها وأنه يحيل خدودها رياضا ناضرة. ويظن كأنها ضيقت طرق الكلام على صاحبتها السمراء. غير أن عبد المهيمن ما يلبث أن يفتح لها الأبواب على مصاريعها، لتجد مجموعة من الأدلة البينة والبراهين الواضحة على روعة السواد وجماله بشهادة قولهم: شعر كنسق الليل وإعجابهم بسواد الحاجبين وحدق العينين، وبدليل إشادة الشعراء بالخال المشبه للمسك، والشعر المتدلى إلى الخدود كأنه العقرب، وتقول صاحبتها إن اللبن الأبيض المشبه لك كثير، أما العسل الأسمر المشبه لى فكثير الغذا، وتفخر عليها بأن لونها لون الخمر التى طالما تغنى بها الشعراء، ثم أنشدتها شعرا يرفع التبر أو الذهب الذى يشبه لونها على الورق أو الفضة البيضاء التى تشبه لون صاحبتها، فجسمها هى نضار، وصيغ-كالمسك-سوادا وعطرا، وتقول لها ما أكثر السّمر الذين تشبه قلوبهم ما يتخذ من شجر الكافور من مادة بيضاء بلورية، بينما نجمه نجم سعيد كل السعادة. وتليهما جاريتان طويلة كاملة وقصيرة، ومما تقوله الطويلة للقصيرة: «يا زريعة يأجوج ومأجوج، إن الحلىّ على القصار كالدر فى نحور القرود، وتقول لها القصيرة: «يا شقيقة الزرافة، يا ناقة العشير (الزوج) وقصبة النّشير (حبل الغسيل).


(١) الغسق: ظلمة الليل.
(٢) الورق: الفضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>