للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل هذا هو الذى جعله يصطدم بكعب بن جعيل شاعر معاوية.

ويروى أنه لما قتل على وتحولت الخلافة إلى معاوية كتب إلى مروان عامله على المدينة أن يأخذ أهله وأمواله، فاستعطفه بأبيات ألانت قلبه فعفا عنه.

ونراه يقف دائما مع قومه، حتى ليضطر أبو موسى الأشعرى والى البصرة لعمر أن يضربه أسواطا، وكأنما كانت فيه بقية من عصبيته الجاهلية. ولا نشك فى أن هذه البقية فيه هى التى دفعته إلى الاصطدام بأوس ابن مغراء، ويقول ابن سلاّم إنه غلب عليه ولم يكن إليه فى الشعر ولا قريبا.

ونزل مع قومه بأصبهان، وهناك نراه يتهاجى مع سوّار بن أوفى القشيرى، وتتصدى له زوجه ليلى الأخيلية، ويغلبان عليه جميعا. وهما أيضا لم يكونا إليه فى الشعر، وربما كان لتعمق الإسلام فى نفسه أثر فى تلك الهزائم، إذ كان يتحرج من المضى فى الهجاء المقذع، ويقول ابن سلام إن الأخطل هجاه بأخرة. ولما دعا ابن الزبير لنفسه فى أواخر خلافة يزيد بن معاوية قدم عليه فى مكة ومدحه بقصيدة رائعة يقول فيها (١).

حكيت لنا الصّدّيق لما وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم

وسوّيت بين الناس فى العدل فاستووا ... فعاد صباحا حالك الليل مظلم

وأثابه ابن الزبير ثوابا جزيلا. وعاد إلى أصبهان، غير أنه لم يلبث أن توفّى بها عن سن عالية سنة خمس وستين. وهو بلا شك من المعمرين، غير أن الرواة بالغوا فى ذلك حتى قالوا إنه أقدم من النابغة الذبيانى وأنه عمّر مائة وثمانين سنة بل تزيد، مستشهدين بما أضيف إليه من مثل قوله (٢):

تذكّرت شيئا قد مضى لسبيله ... ومن عادة المحزون أن يتذكّرا

نداماى عند المنذر بن محرّق ... أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا

والمنذر بن محرق هو المنذر بن ماء السماء الذى قتل فى بعض حروبه مع الغساسنة سنة ٥٥٦ للميلاد، ولا شك فى أن هذا الشعر مصنوع عليه.


(١) الكامل للمبرد (طبعة رايت) ص ٧٠٤ والديوان ص ١٣٧.
(٢) أغانى ٥/ ٦

<<  <  ج: ص:  >  >>