للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المحقق أن النابغة كان أحد الشعراء الذين استضاءوا بالإسلام وتعاليمه الروحية، وقد خرج يجاهد فى سبيل الله، وهو يتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار، فكان طبيعيّا أن يستلهمه فى شعره. وهو من هذه الناحية من خير الأمثلة على أثر الإسلام فى شعر المخضرمين ومدى هذا الأثر، إذ عبّر فى غير قصيدة عن خشية الله وتقواه من مثل قوله (١):

منع الغدر فلم أهمم به ... وأخو الغدر إذا همّ فعل

خشية الله وأنّى رجل ... إنما ذكرى كنار بقبل (٢)

وهو دائم الحديث عن نعمة الله عليه بالإسلام، وتحوله من ظلمات الوثنية إلى أضواء الدين الحنيف، يقول (٣):

عمّرت حتّى جاء أحمد بالهدى ... وقوارع تتلى من القرآن

ولبست مل الإسلام ثوبا واسعا ... من سيب لا حرم ولا منّان (٤)

وليس كل ما نجده عنده من أثر الإسلام أبياتا مفردة تتخلل قصائده، فإن له موعظة بليغة رواها غير راو، وهى تطّرد على هذا النمط (٥):

الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما

المولج الليل فى النهار وفى اللّي‍ ... ل نهارا يفرّج الظّلما

الخافض الرّافع السماء على ال‍ ... أرض ولم يبن تحتها دعما (٦)

الخالق البارئ المصوّر فى ال‍ ... أرحام ماء حتى يصير دما

من نطفة قدّها مقدّرها ... يخلق منها الأبشار والنّسما

ثمّ عظاما أقامها عصب ... ثمّت لحما كساه فالتأما

ثم كسا الرّأس والعواتق أب‍ ... شارا وجلدا تخاله أدما (٧)


(١) الديوان ص ٨١ وانظر الحيوان ٣/ ٥٠٤.
(٢) القبل: النشز من الأرض يستقبلك ورأس كل أكمة أو جبل.
(٣) الديوان ص ١٣٧ وأمالى المرتضى ١/ ٢٦٦.
(٤) مل الإسلام: من الإسلام. سيب: عطاء. حرم: مناع.
(٥) الشعر والشعراء ١/ ٢٥٣ وانظر الديوان ص ١٠٢.
(٦) دعم: دعائم وعمد.
(٧) العواتق: جمع عاتق وهو المنكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>