للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ندب له الرسول ثابت بن قيس بن الشماس، فرد عليه مستوحيا هدى الإسلام، ولم يلبثوا أن استجابوا لله ولرسوله (١).

ونمضى فى عصر الخلفاء الراشدين، فتكثر بجانب خطب الجمع والأعياد المواقف التى تجلت فيها براعة هؤلاء؟ ؟ ؟ ، كموقف أبى بكر حين انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى وموقفه يوم السقيفة، فقد درأ فى الموقفين جميعا الشّعث الذى كاد يودى بالجماعة، وكذلك موقفه حين ارتدّ كثير من العرب وامتنعوا عن أداء الزكاة. وكم من خطيب وقف حينذاك يحضّ قومه على الثورة أو يحثهم على الطاعة. ولا بد أن نلاحظ أن انتشار الإسلام فى الجزيرة أعدّ منذ أول الأمر إلى أن تتكاثر خطب الجمع والأعياد، إذ كانت كما قدّمنا فرضا مكتوبا على المسلمين فى كل مكان يحلّونه من الجزيزة.

ثم تكون الفتوح، ويخطب أبو بكر فى الجيوش الغازية يحضّ على الجهاد ونشر الدين الحنيف فى أطباق الأرض. وترتفع أصوات القواد بالخطابة فى كل قطر حاثّين الجنود على الصبر فى القتال حتى الاستشهاد طلبا لما عند الله من الثواب. ويخيل إلى الإنسان كأنما ملك كل منهم من قلوب جنوده ببيانه وبلاغته مالا تملكه الدنيا بحذافيرها. ولا نغلو إذا قلنا إن بلدا من بلدان الفرس فى العراق وإيران وبلدان الروم فى الشام ومصر لم يفتح إلا بعد أن فتحته خطبة أحد هؤلاء القواد، كخطبة المغيرة بن شعبة فى القادسية (٢) وخالد بن الوليد فى اليرموك (٣)، وعتبة بن غزوان فى فتح الأبلّة، ونحن نكتفى بقطعة من خطبة عتبة إذ يقول (٤):

«أما بعد فإن الدنيا قد تولّت حذّاء (٥) مدبرة، وقد آذنت أهلها بصرم، وإنما بقى منها صبابة كصبابة الإناء يصطبّها (٦) صاحبها، ألا وإنكم منقولون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا منها بخير ما يحضركم».

ويتولى عمر، فيكثر من الخطابة لا فى الجمع والأعياد ومواسم الحج فحسب بل مع كل حادث، ومع كل خبر يأتيه بفتح. وقد سار على هدى أبى بكر


(١) تاريخ الطبرى ٢/ ٣٧٨.
(٢) الطبرى ٣/ ٣٧.
(٣) الطبرى ٢/ ٥٩٢.
(٤) البيان والتبيين ٢/ ٥٧.
(٥) حذاء: سريعة الإدبار.
(٦) يصطبها: يشربها. والصبابة. بقية الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>