للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطباؤهم من أمثال قائدهم عبد الله بن وهب الراسبى. وحرقوص بن زهير السعدى والمستورد بن علّفة، ومن يرجع إلى خطبهم يجدها تتقد حماسة وحميّة من مثل قول ابن وهب فى بعض خطبه (١):

«أما بعد فو الله ما ينبغى لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا-التى الرضا بها والركون إليها والإيثار إياها عناء وتبار (٢) - آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والقول بالحق وإن منّ (٣) وضرّ، فإنه من يمنّ ويضرّ فى هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله عز وجل والخلود فى جناته».

وينتهى التحكيم بمهزلة خلع على، وتمتد يد آثمة من أيدى الخوارج إليه فى الظلام، فتطعنه طعنة نجلاء، ويسلم الحسن ابنه الأمر راضيا إلى معاوية، ويبايعه المسلمون كافة.

وأكبر الظن أنه قد اتضح من كل ما قدمنا كيف نمت الخطابة فى هذا العصر نموّا واسعا، بتأثير الإسلام من جهة وتكاثر الأحداث وتتابعها من جهة ثانية. وليس هذا كل ما يلاحظ فيها، فقد دارت حول معانى القرآن الكريم وخطابة الرسول وأحاديثه؛ وهى معان جديدة لم يكن للعربية بها عهد، معانى هذا الدين الحنيف الذى بعث لغتنا ونشرها بعثا جديدا، والذى مرّنها وذلّلها لكى تؤدى الرسالة النبوية وكل ما تحمل من مواعظ وتعاليم. وقد أخذ كل خطيب يحمل قبسا من هذه التعاليم والمواعظ يستضئ به فى كل ما يخاطب به الناس ابتغاء التأثير عليهم وبلوغ ما يريد من أداء الخطبة الدينية الخالصة فى أيام الجمع والأعياد ومواسم الحج وأختها التى تدعو إلى الجهاد والحضّ على قتال الأعداء. ولعله من أجل ذلك أصبح التحميد سنّة فى كل خطبة، حتى الخطبة السياسية، وكانوا يسمّون كل خطبة تخلو منه بتراء، كما كانوا يسمون كل خطبة تخلو من اقتباس آى القرآن الكريم والصلاة على الرسول شوهاء (٤).


(١) الطبرى ٤/ ٥٤.
(٢) تبار: هلاك.
(٣) من: قطع وهجر.
(٤) البيان والتبيين ٢/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>