أمره فى السر والعلانية لا ينوى بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا فى عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا. ويحذّركم الله نفسه، والله رءوف بالعباد.
والذى صدق قوله، وأنجز وعده لا خلف لذلك، فإنه يقول عزّ وجل:
{(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ).} فاتقوا الله فى عاجل آمركم وآجله، فى السر والعلانية {(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً).} ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله يوقّى مقته ويوقّى عقوبته ويوقّى سخطه، وإن تقوى الله يبيض الوجوه، ويرضى الرب، ويرفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرّطوا فى جنب الله. قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، {(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اِجْتَباكُمْ)} (١) وسماكم المسلمين {(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)} ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد اليوم. فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العظيم».
والخطبة موعظة رائعة، يستهلها الرسول الكريم بتقرير وحدانية الله وأنه أتمّ نعمته على الناس بإرساله إليهم كى يخرجهم مما هم فيه من غواية وضلالة ويدخلوا فى رعايته الإلهية، فلا يعملوا عملا بدونه. ليتركوا إذن الوراثة الضالة والوسط المشفى على الهلاك ويجتمعوا على هدى الله وتقواه، وليستشعروه فى السر والعلانية فإنه يعلم خائنة الأعين وما يستكنّ فى الصدور، وليقدّموا من خشيته وطاعته ما يكفّرون به عن سيئاتهم وتبيضّ به وجوههم يوم الحساب حتى يدخلوا فى جنّاته. إنه يوم ما بعده مستعتب، فإما الجنة وشفيعها العمل الصالح، وإما النار وبئس القرار. ويدفعهم دفعا إلى الجهاد فى سبيل الله ونشر دعوة الحق والخير، فقد اجتباهم واختارهم ليضطلعوا بأمانة الرسالة المحمدية، ولينشروها فى أطراف الأرض. والرسول فى كل ذلك يستوحى القرآن وآياته، وهى تقف