للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقبل منه صرف (١) ولا عدل (٢). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكد يلمّ بالحمد لله والشهادة والوصية بالتقوى حتى انتقل يبيّن طائفة من التشريعات الإسلامية التى أقامها الدين الحنيف حدودا بين حياة العرب فى الجاهلية وحياتهم فى الإسلام، فقد كانوا مفككين متنافرين يتحاربون دائما طلبا للأخذ بالثأر ونهبا للأموال.

وجمعهم الإسلام تحت لوائه فى جماعة كبرى متآخية متناصرة لا يبغى بعضها على بعض. ولكى يقضى على كل سبب للحرب بينهم ردّ دم القتيل إلى الدولة فهى التى تعاقب عليه، ولكى يستأصل هذا الداء دعا إلى التنازل عن حق الأخذ بالثأر القديم، وحرّم النهب والسلب تحريما قاطعا مشددا فيه العقوبة.

والرسول يفتتح فى الخطبة أوامر الإسلام ونواهيه بإعلان أن دماء المسلمين وأموالهم حرام، وأن على كل من كانت عنده أمانة أن يردّها على صاحبها، وأن على كل مسلم أن يرعى أخاه فى ماله. فلا يأخذ منه شيئا إلا بالحق، ومن ثم حرّم الرّبا، وبدأ بعشيرته وتاجرها الموسر العباس بن عبد المطلب فأسقط عن رقاب المدينين له رباه. وعلى نحو ما أسقط الربا أسقط دماء الجاهلية، فليس لمسلم أن يثأر لقتيل له، وبدأ بعشيرته فأسقط دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. ولم يبق من مآثر الجاهلية شيئا سوى خدمة الكعبة وسقاية الحجيج، وأوجب فى قتل العمد القود، ولكن الدولة هى التى تقوم به، وبذلك قضى الإسلام على حروبهم الداخلية. وقد جعل فى القتل شبه العمد مائة بعير.

كل ذلك ليحفظ للجماعة وحدتها ويسود بين أفرادها السلام والوئام.

ويحذّر الرسول من الشيطان وغواياته، محرما للتلاعب بالأشهر الحرم، واضعا تقويما قمريّا يتألف من اثنى عشر شهرا، منها أربعة حرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. ويرفع من شأن المرأة ومعانى علاقاتها بزوجها، فيجعل لها حقوقا وعليها واجبات، وفى الطرفين جميعا يحفظ لها كرامتها كما يحفظ لزوجها نفس الكرامة، داعيا إلى التعاطف بينهما والتراحم والتعامل برفق وإحسان.


(١) صرف: توبة.
(٢) العدل: الفدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>