للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقف بين الناس واعظا أو يقوم فى الجنود ناصحا حتى يهدر بكلامه، وحتى تنصاع له القلوب انصياعا، ونحن نكتفى بقوله فى إحدى مواعظه (١):

«إن الله سبحانه وبحمده قد استوجب عليكم الشكر، واتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الآخرة والدنيا من غير مسألة منكم له ولا رغبة منكم فيه إليه فخلقكم تبارك وتعالى، ولم تكونوا شيئا، لنفسه وعبادته. . . وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وحملكم فى البر والبحر، وزرقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. ثم جعل لكم سمعا وبصرا. ومن نعم الله عليكم نعم عمّ بها بنى آدم، ومنها نعم اختص بها أهل دينكم، ثم صارت تلك النعم خواصّها وعوامّها فى دولتكم وزمانكم وطبقتكم، وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسم ما وصل إليه منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها، وفدحهم حقّها إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون فى الأرض، قاهرون لأهلها، قد نصر الله دينكم. . . والله المحمود مع الفتوح العظام فى كل بلد. . . فنسأل الله الذى لا إله إلا هو الذى أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته والمسارعة إلى مرضاته».

وسار سيرة أبى بكر فى تشييع الجيوش بالخطابة محرّضا على الجهاد، حتى ينتشر الدين الحنيف فى أقطار الأرض، وهو لن ينتشر إلا بالقوة التى تعزّ الحق وتعلى سلطانه. إنها معركة الإسلام، معركة النفوس المؤمنة التى وعدها الله أن ترث الأرض ومن عليها. وما زال عمر يبرز هذه المعانى محاولا أن يرتفع العرب فى جهادهم عن ضعف المخلوق، ويصبحوا قوة من قوات الخالق، يقول فى بعض هذه الخطب (٢):

«أين الطّرّاء (٣) المهاجرون عن موعود الله؟ سيروا فى الأرض التى وعدكم الله فى الكتاب أن يورثكموها، فإنه قال: {(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)} والله مظهر دينه، ومعزّ ناصره، ومولى أهله مواريث الأمم، أين عباد الله الصالحون؟ ».

ولما اجتمع الجيش أمّر عليه أول من أجابه حينئذ إلى الجهاد، وهو أبو عبيد بن مسعود، وقال له: «اسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشركهم


(١) الطبرى ٣/ ٢٨٣.
(٢) الطبرى ٢/ ٦٣١.
(٣) الطراء: الذين خرجوا عن ديارهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>