للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طعموا الجردق ولبسوا النّمرق (١). وكانت الثياب والأطعمة تحمل إليهم من البلدان القريبة والبعيدة، ويروى عن الحجاج أنه كتب إلى عامل له بفارس «ابعث إلى بعسل من عسل خلاّر (٢)، من النّحل الأبكار، من الدّستفشار (٣)، الذى لم تمسّه النار (٤)». ومما يصور هذا الرفه فى العيش والتنعم ما يروى من أن عبيد الله بن زياد هيأ لأبيه حين توفّى ستين ثوبا ليكفنه فيها (٥)، فلم يعد الثوب ولا الثوبان ولا الثياب القليلة تكفى الكفن الواحد.

وطبيعى أن يعنوا فى ثنايا هذه الحياة الرّغدة بكثير من أسباب اللهو كسباق الخيل (٦) والصيد (٧) والقنص ولعبتى (٨) الشطرنج والنرد وسنرى أن كثيرين تورطوا فى إثم الخمر. وقد أخذت الكوفة تعنى بالغناء ولم تكتف بمن نشأوا فيها من أمثال حنين (٩) الحيرى وأحمد (١٠) النّصبى، فقد أخذت تستقدم المغنين والمغنيات من الحجاز، وتفتح لهم دورا يختلف إليها الناس كدار (١١) ابن رامين.

وسقط هؤلاء المغنون إلى كل بلد عربى، إذ نجد فى الفسطاط ابن أبجر (١٢) مغنى المدينة.

ونعم العرب فى خراسان بكثرة ما أصابوا من الأموال وفيئ الغنائم، وفى كتب التاريخ والأدب أخبار من ذلك تكاد تشبه الأساطير، منها أن عبد الرحمن بن زياد الذى ولاه معاوية أعمال خراسان سئل فى أثناء ولايته عما صار إليه من أموال فقال: إنى قدّرت ما عندى لمائة سنة، فإذا هو يبلغ فى كل يوم ألف درهم (١٣)، ويروى أن مصعب بن الزبير فى ولايته على العراق جاءه من هناك نخلة مصنوعة من الذهب، عثاكيلها من لؤلؤ وجوهر وياقوت أحمر


(١) طبرى ٥/ ٢٨٠. والنمرق: مفرد نمارق وهى الطنافس
(٢) خلار: موضع بفارس مشهور بعسل النحل.
(٣) الدستفشار: كلمة فارسية معناها المعصور باليد.
(٤) البيان والتبيين ٢/ ١٠٣.
(٥) طبرى ٤/ ٤١٥.
(٦) البيان والتبيين ٣/ ٢٥٧.
(٧) أغانى (دار الكتب) ١٣/ ٣٦١ والشعر والشعراء ٢/ ٥٨٨.
(٨) نقائض جرير والفرزدق ص ٧٨٧.
(٩) أغانى (دار الكتب) ٢/ ٣٤١.
(١٠) أغانى ٦/ ٣٣.
(١١) أغانى (دار الكتب) ١٥/ ٦٠.
(١٢) أغانى ٣/ ٣٤٦.
(١٣) الجهشيارى ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>