للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الإسلام؟ أخافهم على نفسى، فقال يزيد: لك ذمة أمير المؤمنين وذمتى، فنظم فى هجائهم قصيدته التى يقول فيها:

ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللّؤم تحت عمائم الأنصار

وغضب النعمان بن بشير الأنصارى، وكان ممن صحبوا معاوية فى حروبه ضد على وولاّه الولايات وأكرمه، فجاء إليه يشكو له هجاء الأخطل لقومه، فقال ما حاجتك؟ قال لسانه، فقال معاوية ذلك لك. وعلم الأخطل، فاستغاث بيزيد، فدخل على أبيه، وقال له: إنى جعلت له ذمتك وذمتى، إذ ردّ عنى، فقال معاوية للنعمان: لا سبيل إلى ذمة يزيد. وردّ النعمان على الأخطل -كما أسلفنا-ولكن الهجاء لم يستطر بينهما، وكأن الأخطل انسحب من المعركة سريعا خوفا على نفسه. ومنذ هذا التاريخ يصبح الأخطل شاعر بنى أمية، فهو يعيش لهم يمدحهم، وهم يغدقون عليه. وليس فى ديوانه مديح لمعاوية، ويظهر أن مديحه له سقط من الديوان، فإن المرتضى فى أماليه روى له فيه هذين البيتين (١):

إذا متّ مات العزّ وانقطع الغنى ... فلم يبق إلا من قليل مصرّد (٢)

وردّت أكفّ الراغبين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف مجدّد (٣)

وفى ديوانه مدائح مختلفة ليزيد وأخيه عبد الله ولابنه خالد، ونحسّ فى قصائد الأولين ضربا من الدعوة السياسية لبنى أمية، إذ لا ينسى أن ينوّه بانتصار معاوية فى صفّين وأن الله اختار بيتهم للخلافة، على شاكلة قوله:

تمّت جدودهم والله فضّلهم ... وجدّ قوم سواهم خامل نكد

ويوم صفّين والأبصار خاشعة ... أمدّهم-إذ دعوا من ربهم-مدد

وأنتم أهل بيت لا يوازنهم ... بيت إذا عدّت الأحساب والعدد


(١) أمالى المرتضى (طبعة الحلبى) ٢/ ٢٤.
(٢) مصرد: مقلل.
(٣) الخلف: واحد أخلاف الناقة، ويقال تجددت أخلافها إذا ذهب لبنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>