للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعطاهم الله جدّا ينصرون به ... لا جدّ إلا صغير بعد محتقر (١)

شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا (٢)

والأخطل فى مديحه لا يقل براعة ومهارة عن الفرزدق وجرير، بل لا شك فى أنه يتقدم أولهما إذ كانت نفسه صلبة، وكان يعتز بآبائه اعتزازا شديدا، فلم يبرع فى المديح، إنما برع فى الفخر. أما جرير فكانت نفسه لينة، ومن ثمّ يعدّ هو والأخطل فى المديح فرسى رهان. وإن كنا نلاحط فى الوقت نفسه أن مدائح جرير أكثر عذوبة، إذ كان يتفوق على خصميه جميعا فى حلاوة الألفاظ وجمال النغم ورشاقة اللفظ ونعومته. أما الأخطل فيمتاز برصانة الألفاظ وفخامتها وجزالتها، ومدائحه فى عبد الملك تعدّ درره الشعرية، وهو فيها يكثر من أن الله اصطفاه لأمته على شاكلة قوله:

وقد جعل الله الخلافة فيكم ... بأبيض لا عارى الخوان ولا جدب

ولكن رآه الله موضع حقّها ... على رغم أعداء وصدّادة كذب (٣)

ونراه يلمّ فى هذه الفترة من حياته بالكوفة والبصرة كثيرا يمدح ولاتهما وأجوادهما من مثل خالد بن عبد الله بن أسيد الأموى، وبشر بن مروان والحجاج، وسماك الأسدى، وهو من أجواد الكوفة. ونراه ينوّه بمصقلة بن هبيرة الشيبانى أحد قواد طبرستان، كما ينوه بعكرمة بن ربعى الفياض وجوده الغمر، ومن قوله فيه:

إن ابن ربعىّ كفانى سيبه ... ضغن العدوّ وعذرة المحتال (٤)

وإذا عدلت به رجالا لم تجد ... فيض الفرات كراشح الأوشال (٥)

وممن نوّه بهم جرير بن عبد الله البجلى وجدار بن عتّاب التغلبى وهمام بن مطرف.


(١) الجد: الحظ.
(٢) شمس: جمع شموس وهو العسير فى عداوته. استقاد له: أعطاه مقادته وذمامه، فخضع وذل.
(٣) كذب: جمع كذوب.
(٤) السيب: العطاء: العذرة: الاعتذار، يشير إلى من يسألهم فيعتذرون.
(٥) عدلت: وزنت. الأوشال: جمع وشل وهو الماء القليل. والراشح: الذى يسيل فى قلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>