للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضى فى المدينة ينفق أيامه ولياليه فى اللهو والاختلاف إلى دور القيان، وذكر ذلك فى شعره بمثل قوله:

إذا شئت غنّانى من العاج قاصف ... على معصم ريّان لم يتخدّد (١)

وقوله:

هما دلّتانى من ثمانين قامة ... كما انقضّ باز أقتم الرّيش كاسره

وقد أتاه جرير كثيرا من هذه الثّغرة فى خلقه وسلوكه. وكان معاوية يجعل المدينة تارة لسعيد بن العاص وتارة لمروان بن الحكم، فولى مروان، وكانت فيه شدة على أصحاب اللهو، فترك الفرزدق المدينة إلى مكة، وفى طريقه إليها أتاه نعى زياد فثابت إليه نفسه، ومضى إلى البصرة، وهناك وجد ابن عمه مسكينا الدارمىّ يتفجّع على زياد بمثل قوله:

رأيت زيادة الإسلام ولّت ... جهارا حين ودّعها زياد

فحنق عليه حنقا شديدا، وهجاه بقصيدة يقول فيها:

أمسكين! أبكى الله عينك إنما ... جرى فى ضلال دمعها فتحدّرا

وهجاه مسكين، وأمسك الفرزدق عنه، حتى لا يهدم شطر حسبه. ونراه يمدح عبيد الله بن زياد ويوسع له فى مجالسه. ولا يفارقه شره، فيهجو بنى منقر، ويغضب لهم مرّة بن محكان (٢) شاعر بنى ربيع التميميين وسيدهم، فيهجوه وعشيرته بكلمة يقول فى تضاعيفها:

ترجّى ربيع أن يجئ صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعا كبارها

ويشتعل بينهما الهجاء. وندخل فى فترة فتتة ابن الزبير، وتتبعه العراق كما تبعته الحجاز، ويحدث أن يقتل مصعب ابن محكان. ونرى الفرزدق فى هذه الأثناء


(١) أراد بالعاج أساور العاج. قاصف: من القصف وهو الجلبة، يشير إلى وسوسة الأساور. زيان: ممتلئ. يتخدد: يتجعد.
(٢) انظر فى ترجمة مرة ابن سلام ص ٢٧٥ والشعر والشعراء ٢/ ٦٦٧ وأغانى (ساسى) ٢٠/ ٩ ومعجم الشعراء ص ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>