للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخل-كما مر بنا-مع جرير فى معركة الهجاء التى استمر شررها يتطاير حتى توفّى، والتى أورثتنا نقائضهما آنفة الذكر. وينشب شجار بين الفرزدق وبين زوجه النّوار وهى ابنة أعين بن ضبيعة المجاشعى، وكان قد تزوجها راغمة، إذ خطبها خاطب من قريش فجعلته وليّها، فانتهز الفرصة، وأشهد أنها جعلت أمرها إليه وأنه يتزوجها على مائة ناقة حمراء سوداء الحدق. فغضبت من ذلك وما زالت تغاضبه، وادّعت عليه طلاقا، ونازعته، وخرجت إلى عبد الله بن الزبير ونزلت على زوجته خولة بنت منظور بن زبّان الفزارى، وتشفّعت إليها. وتبعها الفرزدق فنزل على حمزة بن عبد الله بن الزبير، فكان حمزة إذا أصلح شيئا من أمر الفرزدق قلبته عليه خولة، فقال الفرزدق:

أما البنون فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا

ليس الشفيع الذى يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذى يأتيك عريانا

وأمرهما ابن الزبير أن يحتكما إلى عامله فى العراق فمضت معه النوار مغاضبة له، ويقال: بل اصطلحا فى مكة، غير أنها ظلت تشارّه وتشاجره، إذ كانت تكره كثيرا من أمره، وكانت صالحة حسنة الدين. وخطب حدراء بنت زيق بن بسطام الشيبانية وكانت نصرانية وأخذ يمدحها ويعرّض بالنوار، فاستغاثت منه بجرير، فأغاثها وأخذ يهجو حدراء وقومها معها، وتصادف أن ماتت حدراء قبل أن يبنى بها، ويظهر أنه كان مزواجا، فقد تزوج زنجية أعقب منها ابنته مكية، وتزوج رهيمة النمرية وطيبة المجاشعية، ونشزتا منه فطلقهما، وما زالت النوار تغاضبه حتى طلقها وندم ندما شديدا، يقول فى كلمة له يصور ندمه:

ندمت ندامة الكسعىّ لما ... غدت منى مطلّقة نرار (١)

وكانت جنّة فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار (٢)

ويذكر ابن قتيبة أنه ولد له لبطة وسبطة وخبطة وركضة من النوار وولد له أيضا زمعة. وكان شاعرا وإن لم يبلغ مبلغ أبيه فى الشعر. وفى تسميته


(١) الكسعى: شخص يضرب به المثل فى الندم.
(٢) الضرار: العصيان والمخالفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>