للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأبنائه هذه الأسماء ما يدل من بعض الوجوه على غلظ نفسه ولا شك فى أن فشله المبكّر فى حياته الزوجية يدل على جفوته. ونراه مقربا من بشر بن مروان الذى ولى العراق لأخيه عبد الملك، حتى ليستثير الشعراء لمناقضة جرير وهجائه، وفيه يقول:

يا بشر إنك سيف الله صيل به ... على العدو وغيث ينبت الشّجرا

وولى العراق الحجاج، وكانت فيه قسوة، فخشى بطشه ومضى يمدحه مدائح رائعة من مثل قوله:

إن ابن يوسف محمود خلائقه ... سيان معروفه فى الناس والمطر

هو الشهاب الذى يرمى العدوّ به ... والمشرفىّ الذى تعصى به مضر (١)

ونوّه طويلا بسيرته وقضائه على الرشوة والثوار وإقامته لموازين العدل، حتى إذا توفّى رثاه رثاء حارّا، يقول فيه:

ومات الذى يرعى على الناس دينهم ... ويضرب بالهندىّ رأس المخالف (٢)

وسرعان ما نجده يثوب إلى نفسه وعصبيته التميمية ضد قيس وزعيمها الحجاج وخاصة حين رأى سليمان بن عبد الملك يلى الخلافة، وكان أخوه الوليد حاول أن يخلعه من ولاية العهد، ولجّ معه الحجاج وولاته فى المشرق، وتصادف أن توفّى الحجاج قبل خلافة سليمان، فلما ولى لم يكن له هم إلا عمّال الحجاج وثار عليه قتيبة بن مسلم الباهلى القيسى بخراسان، فقتلته تميم وردّت الأمر إلى نصابه. حينئذ نرى الفرزدق يهجو الحجاج ويقذع فى هجائه، مستشعرا عصبية عنيفة لتميم. وكان يستشعر هذه العصبية دائما إلا أن يضطرّ اضطرارا للنزول عنها. وبتأثيرها نجده يشذ على ذوق مواطنيه، فيهجو المهلب الأزدى السيد الجواد والفارس الشجاع الذى لهج الشعراء باسمه، ويحاول ابنه يزيد حين صار إليه الأمر بعد أبيه أن يستقدمه إليه فى جرجان، ليضفى عليه من نواله، فيأبى قائلا:


(١) تعصى هنا: تضرب، من العصا.
(٢) الهندى: السيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>