للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبنى أمية الذين استتباحوا المدينة والبيت الحرام، وقتلوا الحسين فى كربلاء يقول:

كيف نومى على الفراش ولمّا ... تشمل الشّام غارة شعواء

تذهل الشّيخ عن بنيه وتبدى ... عن براها العقيلة العذراء (١)

أنا عنكم بنى أمية مزو ... رّ وأنتم فى نفسى الأعداء

إنّ قتلى بالطّفّ قد أوجعتنى ... كان منكم لئن قتلتم شفاء (٢)

وهذه هى الأنغام السياسية التى كان يوقّعها على قيثارته الشجية، وكان يضيف إليها مديحا لعبد الله بن الزبير وبيان أنه أحق قرشى بالخلافة. وكان لا يزال يذكر وقعة الحرة مضيفا إليها وقعة مرج راهط التى هزم فيها أنصار ابن الزبير من القبائل القيسية متوعدا عبد الملك بالغارات المبيرة، ومشيدا بمصعب وشجاعته وكرمه وتقواه. وكان قد رأى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت حين لجّ الهجاء بينه وبين يزيد بن معاوية يتخذ الغزل الفاضح برملة أخته وسيلة إلى الهجاء المقذع، فحاكاه فى هذا الاتجاه بغزله بعاتكة زوجة عبد الملك وأم البنين زوجة ابنه الوليد. وفى الوقت نفسه كان يشبب بزوجتى مصعب: عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين تشبيبا كله وقار، وكأنه أزهار ثناء، يريد أن يرضى بها مصعبا. ونحن لا نقرن الصورتين من الغزل بعضهما إلى بعض حتى نرى خبثه ومكره، وكيف استطاع أن يتخذ من الغزل أداة لشعره الزبيرى السياسى ومن قوله فى عائشة، وقد بعث به مصعب إليها وهى غاضبة عليه ليترضّاها (٣):

جنّيّة برزت لتقتلنى ... مطليّة الأصداغ بالمسك

عجبا لمثلك لا يكون له ... خرج العراق ومنبر الملك (٤)

ترمى لتقتلنا بأسهمها ... ونزنّها بالحلم والنّسك (٥)


(١) البرى: الخلاخيل. وقد كنى بذلك عما يصيبهن من فزع شديد.
(٢) الطف: من نواحى الكوفة حيث كربلاء التى قتل فيها الحسين.
(٣) انظر الأغانى (طبع دار الكتب) ١١/ ١٧٦ وقارن بالديوان ص ١٤١ وقد وصل القطعة بأبيات فى أم البنين لا شك فى أنها ملأت صدر عبد المك موجدة.
(٤) يريد بمنبر الملك الخلافة كأنه يتمناها لمصعب.
(٥) نزنها: ننسبها إلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>