للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وواضح أنه يحوطها بالنسك والطهارة والعفاف، واقرن هذه الصورة إلى غزله بعاتكة وأم البنين الذى كان يسوقه فى مقدمة مدائحه لمصعب، فإنك ستراه يعرضهما فى صورة تؤذيهما كقوله فى عاتكة:

بدت لى فى أترابها فقتلننى ... كذلك يقتلن الرجال كذلكا

وقالت لو انّا نستطيع لزاركم ... طبيبان منا عالمان بدائكا (١)

ويتخيل أم البنين جاءته فى الحلم، فنال منها كل ما أراد، وكأنها امرأة مبتذلة، لا يمسكها طهر ولا عفاف، فهى تمعن معه فى اللهو إلى طلوع الفجر، يقول:

أتتنى فى المنام فقل‍ ... ت هذا حين أعقبها (٢)

فلما أن فرحت بها ... ومال علىّ أعذبها (٣)

شربت بريقها حتى ... نهلت وبتّ أشربها (٤)

وبتّ ضجيعها جذلا ... ن تعجبنى وأعجبها (٥)

وأيقظنا مناد فى ... صلاة الصبح يرقبها (٦)

وظل على هذا النحو يصول ويجول بشعره ضد عبد الملك وبنى أمية ونسائهم، معلنا أن صلاح الأمة لا يتم إلا باجتماعها على ابن الزبير الذى يمثّل الحكم القرشى الصحيح. وما نصل إلى سنة ٧١ للهجرة حتى يقدم عبد الملك بجيش ضخم إلى العراق لحرب مصعب، فيلقاه فى دير الجاثليق، وقد انفضّ عنه أكثر أنصاره، ولم تبق معه منهم سوى بقية قليلة بينها ابن قيس. ويقتل مصعب ويفرّ ابن قيس إلى الكوفة متفجّعا على صاحبه آسيا لانفضاض العراقيين عنه، ويطلبه عبد الملك، فيستتر منه عند امرأة أنصارية تسمى كثيرة نحو عام، ونظن ظنّا


(١) طبيبان: يريد رسولين، ويريد بالداء الحب الذى سرى فى نفس عاتكة له.
(٢) أعقبها: صارت عقباها لى أى صارت إلى.
(٣) أعذبها: فها.
(٤) نهلت: رويت. أشربها: أسقيها.
(٥) جذلان: فرح.
(٦) يرقبها: أى يرقب الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>