للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغت القصيدة عبد الملك فتوعّده، وعرف ذلك ابن قيس، فلم يقرّ له قرار وضاقت الدنيا فى عينيه فنظم قصيدة بديعة يذمّ فيها من يغتابونه عند عبد الملك رياء له ونفاقا افتتحها بقوله

بشّر الظّبى والغراب بسعدى ... مرحبا بالذى يقول الغراب

وهو فيها يصور ما يلزمه من نحس رمز له بالغراب. ويظهر أنه كان يفد على عبد الملك من حين إلى حين ففى ديوانه مدائح له مختلفة، والطريف أنه يستهلّ بعضها بغزله بأم البنين لا على شاكلة غزله القديم الذى كان يريد به أن يؤذى عبد الملك، ولكن على شاكلة غزله بعائشة بنت طلحة، فهو يصف جمالها ووقارها متلطفا. وليس فى ديوانه مدائح فى الوليد مما يدل على أنه إن كان لحق عصره فإنه لم يعش فيه طويلا. وفى ديوانه قصائد مختلفة مدح بها عبد الله بن جعفر، وهو يشيد به وبجوده إشادة رائعة على شاكلة قوله:

أتيناك نثنى بالذى أنت أهله ... عليك كما يثنى على الروض جارها

إذا متّ لم يوصل صديق ولم تقم ... طريق من المعروف أنت منارها

وممن مدحهم ونوّه بهم طويلا طلحة الطلحات الخزاعى والى سجستان، وهو يثنى على كرمه وشجاعته، وفيه يقول حين توفّى بيته المشهور من مرثية فيه بديعة:

نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات

وليس له وراء هجائه السياسى سوى قطعة هجا بها عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد حين هزم فى حربه للأزارقة، وهو لا يقسو فيها قسوة الهجّائين فى عصره.

وحتى الآن لم نتحدث عن غزله، وهو فى الطليعة من شعراء الغزل المكيين، ولو أنه لم يشغل نفسه بالمديح والدعاية للزبيريين وخلص للغزل على شاكلة عمر بن أبى ربيعة لما قصّر عنه فى هذا الفن، وقد رأيناه فى مطلع حياته يلزم

<<  <  ج: ص:  >  >>