للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخذ يثيره على ابن الزبير متمنيا لو انتصر عليه وأزال سلطانه عن الحجاز والعراق جميعا، حتى إذ ارآه يعدّ جيشه لحرب مصعب أخذ يحثه على المبادرة لحربه بمثل قوله:

إذا ما أراد الغزو لم تثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها (١)

نهته فلما لم تر النّهى عاقه ... بكت فبكا مما شجاها قطينها (٢)

وظل يمدح عبد الملك. وارتحل إلى مصر يمدح أخاه عبد العزيز واليها وظن بعض المعاصرين فى مديحه لبنى أمية ضربا من النفاق (٣)، وهو لم يكن فى مديحه لهم منافقا، إنما كان تابعا فى ذلك لإمامه الذى رآه يمنح عبد الملك ولاءه. وحتى لو لم يدخل ابن الحنفية فى بيعة عبد الملك لكان مدحه له تقية لا نفاقا، ومرّ بنا أن الشيعة كانوا يجيزون التقية خشية على أنفسهم، وبين أيدينا أخباره مع عبد الملك وهى تقطع بأنه كان يكرمه مع معرفته بتشيعه وأنه يصر عليه إصرارا. على أنه كان يحمّل مديحه له كثيرا من السموم، كتصويره له بأنه حية ما تزال تلدغ، يقول:

يقلّب عينى حيّة بمحارة ... إذا أمكنته شدّة لا يقيلها (٤)

ونراه حين يعرض لخلافته يسلكه من طرف خفى فى مجموعة الخلفاء الذين لا تقر غالبية الشيعة خلافتهم وترى أنهم اغتصبوها اغتصابا من ورثتها الشرعيين، إذ كان يجعله سابع الخلفاء مسقطا خلافة على، لأنها الخلافة الصحيحة فى رأيه بين تلك الخلافات الظالمة، يقول:

وكنت المعلّى إذ أجيلت قداحهم ... وجال المنيح وسطها يتقلقل

والمعلّى هو القدح السابع من قداح الميسر، وهو أعلاها نصيبا، أما المنيح فلا نصيب له. وواضح أنه لم يرد أن عبد الملك أعلى الخلفاء الذين سبقوه كعبا، بل موّه بذلك فى الظاهر، وعنى فى الباطن أنه السابع بين الخلفاء الذين لا


(١) الحصان: العفيفة.
(٢) القطين، الخدم والوصفاء.
(٣) انظر حديث الأربعاء لطه حسين (طبعة الحلبى) ١/ ٣٦٣.
(٤) المحارة هنا: جحر الحية. الشدة: الهجمة على العدو. بقيلها: يفسخها. أراد أنه يبرم عزيمته ولا يتردد.

<<  <  ج: ص:  >  >>