للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت أشعاره الثائرة لا تصل إلى سمع خالد فحسب، فقد وصلت إلى سمع هشام بن عبد الملك، فأمر خالدا بحبسه، فألقاه فى غياهب السجن. وكانت امرأته تدخل عليه فى ثياب وهيئة حتى عرفها الحرّاس، فدخلت فى غفلة منهم يوما، فلبس ثيابها وتهيأ بهيئتها، ومضى على وجهه إلى الشام، فضرب قبّته على قبر معاوية بن هشام فجاءه أولاده، فربطوا ثيابه بثيابهم، حتى دخلوا به على جدهم، فاستعطفوه حتى ألانوا قلبه وعفا عنه. ويقال بل الذى توسط له بالشفاعة مسلمة بن هشام، وله فيه وفى بنى أمية مدائح نظمها حينئذ، من مثل قوله:

الآن صرت إلى أميّ‍ ... ة والأمور لها مصائر

أهل التجاوب فى المحا ... فل والمقاول بالمخاصر (١)

أنتم معادن للخلا ... فة كابرا من بعد كابر

وهى مدائح تحمل على التقيّة، إذ اضطر إلى مديحهم مداراة لهم. وعاد إلى الكوفة وقد ردّت إليه حريته، فعاد إلى نضاله مع إمامه زيد. ونعجب إذ نراه على هاشميته وتشيعه يفسح لأشعار، يفخر فيها بمضريته ويهجو اليمن هجاء شديدا، ولكن إذا عرفنا السبب زال العجب كما يقولون، فقد تصدى له شاعر يمنى هو حكيم بن عيّاش الكلبى كان يتعصب للأمويين ويهجو الهاشميين وزيد بن على هجاء (٢) مرّا، فرأى الكميت أن يصرفه عن ذلك بفتح معركة معه فى اليمنية والمضرية. وبذلك دفعه عن هجاء بنى هاشم وشغله بقومه والنضال عنهم. ويقول الرواة إنه كان يمكر به فيفخر عليه ببنى أمية المضريين حتى يسكته ويغلبه، وقد ظهر عليه فعلا لا بذلك فحسب، بل بما نظم فى عصبيته لمضر وهجائه لليمن من قصائد دوّت بعيدا، وعلى رأسها مذهّبته (٣): (ألا حيّيت عنا يا مدينا) ويقال إنها بلغت ثلاثمائه بيت لم يترك فيها مثلبة لليمن إلا سجّلها ووصمه بها وصما.


(١) المقاول: جمع مقول، وهو المفوه. والمقاول بالمخاصر: الخطباء لاتخاذهم لها فى الخطابة
(٢) انظر فى ذلك ترجمته فى الأغانى والإصابة ٢/ ٨٠ ومعجم الأدباء ١٠/ ٢٤٨.
(٣) فى خزانة الأدب ١/ ٨٦ بعض أبيات من هذه القصيدة وانظر الأغانى (طبع الساسى) ١٥/ ١١٢ والمسعودى (طبعة دار الرجاء بمصر) ٣/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>