وحتى الآن لم نتحدث عن هاشمياته، وهى تمتاز بصدق العاطفة وبراعة الحجاج والاستدلال فى بيان حق الهاشمين الشرعى فى الخلافة، وهو استدلال وحجاج جعل الأقدمين يلاحظون أنه فى شعره وفى هاشمياته خاصة يخرج على المألوف من ذوق الشعراء، إذ كانوا لا يعرفون فى الشعر هذه الصورة من الجدل، إنما كانوا يعرفونها للخطباء وأصحاب المقالات، ومن ثمّ قالوا إن شعره أشبه بالنثر، كما قالوا إنه خطيب وليس بشاعر. ومن غير شك كان شاعرا مبدعا، فقد نهج بشعره نهجا جديدا، إذ أخضعه لصورة المقالة المعاصرة له وما تشفع به من براهين وأدلة. وهو فى ذلك يعدّ صدى قويّا لما شاع فى عصره من الجدال بين المتناظرين فى مسائل العقيدة، فقد مثّل هذا الجدال تمثيلا باهرا. ومن غير شك كان يختلف إلى حلقات هذا الجدال، فقد كان إمامه زيد يتتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة، وتبعه الكميت فى هذه التلمذة، فهو الآخر تلميذ لواصل، تلقّن منه الكلام والجدل فى المسائل العقيدية، وتحول يستخدمه فى هاشمياته، فإذا هى ليست أشعارا فى مديح زيد إمامه، إنما هى مقالة الزيدية بكل أصولها العقيدية، وبكل ما تستخدمه من أسلحة العقل فى دعم هذه الأصول. ومرت بنا أبياته التى يعلن فيها أنه لن يقف بالرسوم والأطلال يتحدث عن حبه، فحبه جميعه منصبّ على بنى هاشم، وبذلك كان أول شاعر دعا إلى نبذ الوقوف على الديار سنّة من سبقوه، وهو يمضى، فيسوق الأدلة الناصعة على حق البيت الهاشمى من سلالة فاطمة رضى الله عنها فى الخلافة على شاكلة قوله متحدثا عن اغتصاب الأمويين لهذا الحق الشرعى:
بخاتمكم غصبا تجوز أمورهم ... فلم أر غصبا مثله يتغصّب
وجدنا لكم فى آل حاميم آية ... تأوّلها منا تقىّ ومعرب
وفى غيرها آيا وآيا تتابعت ... لكم نصب فيها لذى الشّك منصب
وقالوا ورثناها أبانا وأمّنا ... وما ورّثتهم ذاك أمّ ولا أب
ولكن مواريث ابن آمنة الذى ... به دان شرقىّ لكم ومغرّب
يقولون لم يورث ولولا تراثه ... لقد شركت فيه بكيل وأرحب (١)