للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كثير من سادة العرب وأسرها النبيلة يرى أن الخلافة ينبغى أن لا تقصر على قريش وأن تردّ إلى العرب قاطبة، وبلغ هذا الشعور قمته فى الكوفة، فانبرى عبد الرحمن بن الأشعث الكندى يعبّر عنه فى ثورته على الحجاج، تؤيده بلدته، ولكن ثورته باءت بالفشل. ولا نصل إلى أوائل القرن الثانى حتى يثور نفس الثورة يزيد بن المهلب، وتدور عليه الدوائر.

ودائما تلقانا فى صفوف هذه المعارضة خطابة كثيرة، إذ يمتشق الخطباء ألسنتهم فى تصوير مذاهبهم السياسية، يدعون لها، كما يدعون للانتقاض على بنى أمية. وكان يلقاهم أنصار الأمويين بخطابة ملتهبة، يصورون فيها خروجهم على الجماعة وشغبهم وأنهم يضلون الطريق. وكل ذلك هيأ فى قوة لنشاط الخطابة السياسية، ومن الممكن أن نضيف إلى هذا الجانب خطابة القواد فى الجيوش الغازية شرقا وغربا، إذ قلما احتدمت معركة إلا احتدم معها الشعر والخطابة. ومن الممكن أيضا أن نضيف ما احتدم بين القبائل من خصومات قبلية جعلتهم يقتتلون كما جعلتهم يخطبون متوعدين منذرين على نحو ما مرّ بنا فى خصومات قيس من جهة وتغلب والقبائل اليمنية من جهة ثانية سواء فى الشام أو فى الجزيرة، وكذلك خصومات تميم والأزد فى البصرة، وما اندلع من ألسنة هذه الخصومات جميعا فى خراسان. وهى-كما قدمنا-خصومات كانت تختلط فيها العصبيات القبلية بالسياسة وموقف القبائل من بنى أمية ونصرتهم لهم أو انفضاضهم عنهم.

وإذا تركنا السياسة وأحزابها وأحداثها إلى المحافل ووفودها وجدنا لذلك آثارا قديمة منذ الجاهلية، وقد أخذت هذه الوفود تكثر منذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وخاصة بعد فتح مكة. ولما فتحت الفتوح ومصرّت الأمصار واستبحرت الدولة واتسعت كان يقدم على الخلفاء الراشدين من ينبئونهم بالفتح، ومن يذكرون لهم حاجة قومهم فى المصر الجديد. وندخل فى عصر بنى أمية، فتتحول هذه الوفود إلى سيول، تقصد قصور الخلفاء وقصور الولاة، متحدثة فى شئون قومها. واشتهر معاوية باستقدامه الوفود من الأمصار حين تعنّ له فكرة سياسية كفكرة تولية ابنه يزيد الخلافة من بعده. وكانت هذه الوفود تنوب عن أقوامها

<<  <  ج: ص:  >  >>