للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى بيعة الخليفة الجديد وفى بثّ شكواها حين يلمّ بها ما يوجب الشكوى. وانبثقت فى هذه الأثناء خطب التهنئة والتعزية. وكانوا يسمّون محافل هذه الوفود باسم المقامات، وفى العادة كان ينوب عن القوم فى هذه المقامات سيدهم الذى يصدرون عن رأيه. ويتصادف فى بعض الأحيان أن تجتمع وفود مختلفة، حينئذ يتبارى خطباؤها، ويحاول كل منهم أن يكون له قصب السبق فى البيان والفصاحة.

وبجانب المحافل والسياسة دفع الإسلام إلى نشاط واسع فى الخطابة، إذ جعلها جزءا لا يتجزأ من صلاة الجمعة والعيدين، فأيّان ركز الإسلام أعلامه انتصبت المنابر فى المساجد كى يعظ الخطباء الناس بالمواعظ الحسنة، يسهم فى ذلك الخلفاء والولاة، وجمهور كبير من الخطباء. ولم تلبث جماعة أن عاشت حياتها تعظ الناس مستلهمة هدى القرآن الكريم وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكثر أفراد هذه الجماعة فى كل مصر، وكثر بجانبهم جماعة من القصّاص، كانوا يقصون على الناس مازجين قصصهم بتفسير آى الذكر الحكيم وبكثير من مخلّفات أهل الكتب السماوية وتراثهم الدينى. وكانوا يستهوون الناس بما يوردون عليهم من أخبار عجيبة، وكان نفر منهم يتزيد فى هذه الأخبار تزيدا شديدا، مما جعل كثيرين من زهاد الأمة ونساكها ينفرون منهم، وخاصة حين رأوا معاوية وخلفاءه يستغلون بعضهم للدعوة لهم والإزراء على خصومهم (١)، فارضين لهم رواتب ومكافآت شهرية (٢). ولعل من الطريف أن هؤلاء القصاص كانوا ينبثّون فى الجيوش لتحميس الجند على القتال، كما كان ينبث معهم جماعة من الوعاظ، وفى الطبرى نصوص تدل على ذلك كثيرة، إذ نجد عتّاب بن ورقاء حين نازل شبيبا الخارجى يقصّ على جنده محمسا لهم (٣) كما نجد قتيبة بن مسلم فى خراسان يسأل عن واعظ جنده محمد بن واسع الأزدى الناسك المشهور (٤). ولم يكن ذلك قاصرا على جيوش الدولة، فقد كان الخوارج يذهبون نفس المذهب، ومن كبار قصّاصهم صالح بن مسرّح الصّفرىّ،


(١) انظر حاشية الولاة والقضاة للكندى ص ٣٠٤ وخطط المقريزى (طبعة بولاق) ٢/ ٢٥٣
(٢) الولاة والقضاة ص ٣١٧.
(٣) طبرى ٥/ ٨٩.
(٤) البيان والتبيين ٣/ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>