للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داعيا بها إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثا لم تكن وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرّق قوما غرّقناه، ومن أحرق قوما أحرقناه. ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنّاه فيه حيّا، فكفّوا عنى أيديكم وألسنتكم أكفّ عنكم يدى ولسانى، ولا تظهر على أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه. وقد كانت بينى وبين أقوام إحن (١) جعلتها دبر (٢) أذنى وتحت قدمى، فمن كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته. إنى والله لو علمت أن أحدكم قتله السّلّ من بغضى لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا، حتى يبدى لى صفحته (٣)، فإذا فعل ذلك لم أناظره. فاستأنفوا أموركم وأرعوا (٤) على أنفسكم، فربّ مسوء بقدومنا سنسرّه، ومسرور بقدومنا سنسوءه».

وهذه الفقرة من الخطبة تصور بجلاء سياسة زياد ودستوره فى حكم البصرة، وهو دستور أوضح فيه موادّ العقوبة وأنه سيأخذ بالظّنّة ويعاقب على الشبهة، وأنه قد جرّ دسيفه لقتل من لا يرعوى، وأن من عاد إلى العصبية الجاهلية يستثير قومه سيقطع لسانه. ونجحت هذه السياسة فى إعادة الأمور إلى نصابها فى ولايته واستقرار الأمن، حتى قالوا إن المرأة كانت تبيت وبابها مفتوح عليها لا تخشى لصّا، وكان الشئ يسقط فلا يعرض له أحد حتى يرجع إليه صاحبه، فيأخذه، وقالوا أيضا إن الناس هابوه هيبة لم يهابوها أحدا من الولاة قبله. وفى نفس هذه الفقرة ما يصور رفق زياد برعيته، فهو لا يبطش للبطش، وإنما يبطش على الجرم، أما بعد ذلك فليّن رفيق بالناس، وهو يجهر بذلك حين يلخّص خطته فى الحكم بأنها لين فى غير ضعف وشدة فى غير عنف، وأيضا حين يجهر فى ختام الفقرة بأنه سيصانع الناس حتى أعداءه ما صانعوه. ويمضى فى فقرة ثالثة، يبين ما يجب على الناس من الطاعة للخليفة وولاته، يقول:

«أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا، ونذود عنكم بفئ (٥) الله الذى خوّلنا، فلنا عليكم السمع والطاعة


(١) إحن: جمع إحنة، وهى الحقد والضغينة.
(٢) دبر: خلف. كناية عن أنه لا يهتم بها.
(٣) أبدى صفحته: جاهر بعداوته.
(٤) أرعوا: أبقوا وارفقوا.
(٥) الفئ هنا: الخراج وغنائم الحروب.

<<  <  ج: ص:  >  >>