كل مخلوق، وتنزّه عن شبيه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول والأفهام، يعصى فيحلم، ويدعى فيسمع، ويقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون».
وواضح أن واصلا يستظهر فى هذا التحميد والتمجيد آى القرآن الكريم فى وصف عظمة الله وجلاله، حتى ليستعين بلفظها. وأيضا فإنه يستظهر ما كان يقرّره من نفى التجسيم عن الله، وأنه ليس كمثله شئ من مخلوقاته. وقد مضى يصلى على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مطيلا فى صلاته كما أطال فى حمده. وبقبس من صنيعه أخذ الكتّاب من أمثال عبد الحميد يطيلون فى تحميداتهم وصلاتهم على الرسول. ويأخذ بعد ذلك فى الحث على التقوى والعمل الصالح والتنفير من الدنيا ومتاعها الزائل، يقول:
«أوصيكم عباد الله مع نفسى بتقوى الله والعمل بطاعته والمجانبة لمعصيته، وأحضّكم على ما يدنيكم منه ويزلفكم لديه، فإن تقوى الله أفضل زاد وأحسن عاقبة فى معاد، ولا تلهينّكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها وفواتن لذاتها وشهوات آمالها، فإنها متاع قليل ومدة إلى حين، وكل شئ فيها يزول. فكم عانيتم من أعاجيبها وكم نصبت لكم من حبائلها، وأهلكت من جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلوا، ومزجت لهم سمّا».
وواصل فى هذه الفقرة يردّد ما كان يجرى على لسان الوعاظ من الدعوة إلى تقوى الله حق تقواه، ويحذر من الدنيا وبرقها الخلّب وما يطوى فيها من نعيم لا يلبث أن يزول، وإنها لتحت أعينهم تمدّ لهم فى غوايات الشهوات، والعاقل من ازورّ عنها وكبح جماح نفسه وردّها عن أهوائها، فالموت بالمرصاد وعمّا قليل لا يكون للمرء سوى ما قدّم من عمل صالح، فليتزود كلّ لمعاده قبل فوات الفرصة وحلول الأجل. ويسترسل على هدى القرآن الكريم يتحدث عن الدول والأمم الغابرة، متخذا من ذلك العبرة يقول:
«أين الملوك الذين بنوا المدائن، وشيّدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجّاب، وأعدّوا الجياد، وملكوا البلاد، واستخدموا التّلاد، قبضتهم بمحملها (١)
(١) المحمل: الشقان على البعير يحمل فيهما شخصان. والمعنى احتوت عليهم.