للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معا، وخرّج كثيرين على مذهبه، طافوا البلاد يعظون الناس ويدعون إلى مقالته، وكان من أهم ما يدعو إليه حرية الإرادة، وأن الفاسق فى منزلة بين منزلتى المؤمن والكافر. والطريف أننا نجد صفوان الأنصارى يصف أتباعه فيقول (١):

له خلف شعب الصّين فى كل ثغرة ... إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر (٢)

رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم ... تهكّم جبّار ولا كيد ماكر

وأوتاد أرض الله فى كل بلدة ... وموضع فتياها وعلم التشاجر (٣)

وما كان سحبان يشقّ غبارهم ... ولا الشّدق من حيّى هلال بن عامر (٤)

وهو لا ينوّه بوعظهم فحسب، بل ينوه أيضا بقدرتهم على الجدل والإقناع وتقرير الأدلة فى عقول الناس. ويمضى فيصور براعة واصل فى هذا العلم الجديد، علم التشاجر، وكيف كان يقتدر على إيراد الحجج ودفع الشّبه عند خصومه من أرباب الملل والنحل، مستطردا من ذلك إلى وصف تقواه وتقوى أتباعه، يقول:

تلقّب بالغزّال واحد عصره ... فمن لليتامى والقبيل المكاثر (٥)

ومن لحرورىّ وآخر رافض ... وآخر مرجىّ وآخر جائر (٦)

وأمر بمعروف وإنكار منكر ... وتحصين دين الله من كل كافر

يصيبون فصل القول فى كل موطن ... كما طبّقت فى العظم مدية جازر

وسيماهم معروفة فى وجوههم ... وفى المشى حجّاجا وفوق الأباعر

وفى ركعة تأتى على الليل كلّه ... وظاهر قول فى مثال الضمائر


(١) البيان والتبيين ١/ ٢٥.
(٢) السوس الأقصى: كورة بالمغرب كانت حاضرتها طنجة.
(٣) علم التشاجر: يريد به علم الجدال فى العقيدة أو علم الكلام.
(٤) الشدق: البلغاء.
(٥) خير الأقوال فى تلقيب واصل بالغزال أنه كان يجلس فى سوق الغزالين ليعرف المتعففات من النساء فيجعل صدقته لهن. انظر المبرد ص ٥٤٦.
(٦) الحرورية: الخوارج

<<  <  ج: ص:  >  >>