للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافة عمر بن عبد العزيز الزاهد له عيدا، فوفد عليه واعظا وراسله، وقبل أن يتولى القضاء إلى فترة فى عهده. وكان بارع الفصاحة، حتى ليصفه بعض من سمعه من الأعراب بأنه «عربى محكّك (١)» ويؤثر عن الحجاج أنه كان يقول:

«أخطب الناس صاحب العمامة السوداء بين أخصاص (٢) البصرة إذا شاء خطب وإذا شاء سكت (٣)» وهو إنما يعنيه، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: «لم أر قرويين أفصح من الحسن والحجاج (٤)». وكان يجمع إلى فصاحته حسّا لغويّا دقيقا، ومما يصور ذلك ما يروى عن رجل من بنى مجاشع قال: «جاء الحسن فى دم كان فينا فخطب، فأجابه رجل بأن قال: قد تركت ذلك لله ولوجوهكم، فقال الحسن: لا تقل هكذا، بل قل: لله ثم لوجوهكم، وآجرك الله (٥)».

وتموج بعظاته كتب البيان والتبيين وعيون الأخبار والعقد الفريد كما تموج بها ترجمته فى الكتب المختلفة وكتب المتصوفة مثل اللمع للسراج وحلية الأولياء لأبى نعيم، وقد نوّه به الغزالى فى الإحياء مرارا. وهو فى مواعظه يستمد من القرآن الكريم وهدى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الورعين، وخاصة عمر بن الخطاب، فإنه يروى عنه كثيرا من أقواله وعظاته (٦).

وهو فى وعظه ينفّر دائما من الدنيا ومتاعها الزائل، مذكّرا باليوم الآخر وما ينتظر العصاة فيه من العقاب الزاجر حاثّا على التقوى والعمل الصالح والتأسى بالرسول وصحابته الذين رفضوا الدنيا وطلبوا الآخرة، فكانوا كالكرمة التى حسن ورقها وطاب ثمرها. ومن مواعظه التى رواها له الجاحظ قوله (٧):

«يابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا. يابن آدم إذا رأيت الناس فى الخير فنافسهم فيه، وإذا رأيتهم فى الشر فلا تغبطهم به. الثّواء هاهنا قليل والبقاء هناك طويل. أما إنه والله لا أمة بعد أمتكم ولا نبىّ بعد نبيكم ولا كتاب بعد كتابكم. أنتم تسوقون الناس


(١) البيان والتبيين ١/ ٢٠٥.
(٢) الخص: البيت من قصب، وكان فى البصرة طائفة من هذه البيوت كان يسكن فيها الحسن زهدا وورعا.
(٣) البيان والتبيين ١/ ٣٩٨، ٢/ ٢٨٦.
(٤) نفس المصدر ١/ ١٦٣.
(٥) نفس المصدر ١/ ٢٦١.
(٦) البيان والتبيين ٣/ ١٣٧ وما بعدها.
(٧) نفس المصدر ٣/ ١٣٢ وانظر عيون الأخبار ٢/ ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>