للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق آخركم. من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا رائحا (١) لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة. .

{(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).} يابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عما قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل فى هدم عمرك مذ سقطت من بطن أمك، فرحم الله رجلا نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصبر. . يابن آدم اذكر قوله: {(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً، اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)} عدل، والله، عليك من جعلك حسيب نفسك. خذوا صفاء الدنيا وذروا كدرها، دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم. لقد صحبت أقواما (٢) ما كانت صحبتهم إلا قرّة العين وجلاء الصدر، ولقد رأيت أقواما كانوا من حسناتهم أشفق من أن تردّ عليهم منكم من سيئاتكم أن تعذّبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرّم عليكم منها. . لو تكاشفتم ما تدافنتم (٣)، تهاديتم الأطباق ولم تتهادوا النصائح، قال ابن الخطاب: رحم الله امرأ أهدى إلينا مساوينا. أعدّوا الجواب فإنكم مسئولون. . يابن آدم ليس الإيمان بالتحلّى ولا بالتمنى، ولكنه ما وقر فى القلوب وصدّقته الأعمال».

وواضح كيف كان يمزج عظته بآى الذكر الحكيم مستعيرا من أحاديث الرسول ما يضئ به كلامه من مثل قوله: «دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم» ففى الحديث النبوى: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» واستعار قول الرسول:

«لو تكاشفتم ما تدافنتم» واستشهد بكلمة لعمر. واستشهاده بآيات القرآن كثير، تارة يأتى بها فى تضاعيف كلامه، وتارة يتلو الآية ثم يعقب عليها بعظته، من ذلك أنه تلا يوما قوله تعالى: {(إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)} ثم عقّب عليها بقوله (٤):


(١) يريد أنه كان يغدو ويروح فى كسب عيشه الضرورى.
(٢) يريد صحابة الرسول.
(٣) يريد لو تكشفت عيوب بعضكم لبعض لاستثقلتم المشى فى الجنائز.
(٤) أمالى المرتضى ١/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>