للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسائل الشيعة فى هذا العصر كثيرة، وأول حادث تكثر رسائلهم فيه استدعاء أهل الكوفة للحسين وما كان بينه وبينهم من مراسلات (١) تحضّ على الثورة على بنى أمية لظلمهم الرعية واغتصابهم الخلافة من أصحابها الشرعيين.

ونمضى بعد مقتله فتلقانا حركة التوّابين، ويصوّر زعيمهم سليمان بن صرد فى مكاتبته لبعض أصحابه ندمهم على خذلان الحسين، وأنه ليس لهم من مخرج ولا توبة إلا بالثأر من قاتليه (٢). وسرعان ما تنشب حركة المختار الثقفى لعهد ابن الزبير، ويستولى على الكوفة، ويكثر من المكاتبة إلى شيعته وإلى ابن الحنفية، ويكتب إلى بعض زعماء البصرة مهددا متوعدا إن لم يتبعوه على شاكلة هذه الرسالة التى أرسل بها إلى الأحنف زعيم تميم، وفيها يقول (٣):

«بسم الله الرحمن الرحيم، من المختار بن أبى عبيد إلى الأحنف بن قيس ومن قبله، فسلم أنتم، أما بعد فويل امّ ربيعة من مضر (٤)، فإن الأحنف مورد قومه سقر (٥)، حيث لا يستطيع لهم الصّدر (٦)، وإنى لا أملك ما خطّ فى القدر، وقد بلغنى أنكم تسمّوننى كذابا، وإن كذّبت فقد كذّبت رسل من قبلى، ولست بخير من كثير منهم».

وفى الرسالة خصائصه التى مرت بنا فى خطابته، إذ كان يعنى باختيار ألفاظه والسجع فى كلامه، وفيها إيهاماته وادعاءاته إذ يشير من طرف خفىّ إلى أنه يوحى إليه. ومن ثم كان يستخدم السجع كثيرا فى خطابته وأحاديثه كما استخدمه فى الرسالة الآنفة (٧).

وأثرت عن ابن الزبير وولاته فى العراق رسائل كثيرة احتفظ بها الطبرى، كما احتفظ برسالة كتب بها إليه المختار (٨) الثقفى. ونرى ولاته يكاتبون من يوجّهونهم إلى الخوارج (٩). ونلتقى فى عصر الحجاج بثورة ابن الأشعث ومعروف أنه اتخذ كاتبا له أيوب بن القرّيّة المشهور بسجعه.


(١) طبرى ٤/ ٢٥٧ وما بعدها.
(٢) طبرى ٤/ ٤٢٩.
(٣) طبرى ٤/ ٥٣٩.
(٤) يقولون ويل ام فلان إذا أرادوا التعجب منه. وكأن المختار يعلى من شأن قبائل ربيعة التى آزرته، ويقول إنها ستنكل بتميم وغيرها من قبائل مضر.
(٥) سقر: جهنم.
(٦) الصدر: الرجوع.
(٧) المبرد ص ٥٩٦ وما بعدها.
(٨) طبرى ٤/ ٥٤١.
(٩) طبرى ٤/ ٤٨١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>