للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت الكتابات السياسية قد كثرت فى البيئات المعارضة للدولة فإن الدولة نفسها كانت تستخدمها استخداما أكثر وأغزر، إذ كان الخلفاء يكتبون بالعهود إلى من يتولون الخلافة بعدهم (١)، سنّة وضعها أبو بكر وعمر وسار عليها خلفاء بنى أمية. وكذلك كانوا يكتبون بالعهود إلى من يولّونهم على الولايات (٢). وكانت الكتب لا تزال ذاهبة آيبة بينهم وبين ولاتهم فى كل كبيرة وصغيرة. وكان قوّادهم كلما فتحوا بلدا واستجاب إليهم أهلها عقدوا معهم المعاهدات.

ولا نستطيع أن نعرض بالتفصيل لكل ما دار بينهم وبين ولاتهم وقوادهم من مراسلات يطفح بها الطبرى وغيره، ويكفى أن نقول إنه ليس هناك حادث مهم ولا ثورة إلا والرسائل تتساقط كالغيث، فزياد بن أبيه يكتب مرارا لمعاوية فى شأن حجر بن عدىّ وأصحابه من الشيعة (٣)، ويرد عليه. ويكتب يزيد إلى ولاته فى الحجاز بشأن عبد الله بن الزبير والحسين بن على (٤)، وتكثر الرسائل بينه وبين عبيد الله بن زياد فى وفود الحسين على العراق وما كان من مصرعه. (٥)

ولم تكثر الرسائل السياسية بين الخلفاء وولاتهم كما كثرت فى عهد عبد الملك وخاصة بينه وبين الحجاج لكثرة الفتن والثورات التى نشبت فى العراق وخراسان.

وكان الحجاج نفسه يكثر من الكتابة إلى قواده، ويكثرون من الرد عليه، وكان يكتب أحيانا إلى الثوار أنفسهم على شاكلة رسالته الآنفة التى أرسل بها إلى قطرى. ولا بد أن نقف قليلا عنده إذ كان يعنى بتحبير رسائله على نحو ما كان يعنى بتحبير خطبه. ونراه يكثر من مراسلة المهلب وحثّه على الفتك بالخوارج الأزارقة حتى لا تقوم لهم قائمة (٦)، كما يكثر من مراسلة قواده فى حروب الخوارج الشبيبية (٧) وفى فتنة ابن الأشعث (٨) وحروب خراسان (٩). ورسائله مثل سياسته التى اشتهر بها تقطر شدة وحدّة، حتى فى مخاطبته لبعض الأمراء، فقد كتب إلى سليمان بن عبد الملك-وهو لا يزال وليا للعهد-من رسالة له: «إنما


(١) طبرى ٥/ ٣٠٧.
(٢) الوزراء والكتاب ص ٣١، ٦٦.
(٣) طبرى ٤/ ٢٠٢ وما بعدها.
(٤) طبرى ٤/ ٢٥٠ وما بعدها.
(٥) طبرى ٤/ ٢٦٥ وما بعدها والوزراء والكتاب للجهشيارى ص ١؟ ؟ ؟ .
(٦) طبرى ٥/ ١٢٠ والمبرد ص ٦٦٧ وما بعدها.
(٧) طبرى ٥/ ٧٩ وما بعدها.
(٨) طبرى ٥/ ١٤٩ وما بعدها.
(٩) طبرى ٥/ ١٤٠، ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>