للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنت نقطة من مداد، فإن رأيت فىّ ما رأى أبوك وأخوك كنت لك كما كنت لهما، وإلا فأنا الحجاج وأنت النقطة فإن شئت محوتك وإن شئت أثبتّك (١)» وكان الخلاف دبّ بينهما، ومن ثمّ حاول كما قدمنا أن يصرف ولاية العهد عنه، ولكن الموت عاجله وعاجل الوليد بن عبد الملك قبل تنفيذ هذه المحاولة.

ومعروف أنه كان صنيعة عبد الملك، فهو الذى أظهره، وما زال يرفع من أمره حتى ولاّه العراق وخراسان، وكان إذا كتب إليه تأنّق ما استطاع فى تعبيره، ومن خير ما يصوّر ذلك رسالة احتفظ بها الجاحظ، يصف فيها لعبد الملك خصبا بعد جدب ومطرا بعد قحط، وهى تجرى على هذا النمط (٢):

«أما بعد فإنا نخبر أمير المؤمنين أنه لم يصب أرضنا وابل منذ كتبت أخبره عن سقيا الله إيانا إلا ما بلّ وجه الأرض من الطّشّ والرّشّ والرّذاذ (٣)، حتى دقعت (٤) الأرض واقشعرّت (٥) واغبرّت (٦) وثارت فى نواحيها أعاصير تذرو (٧) دقاق الأرض من ترابها، وأمسك الفلاّحون بأيديهم من شدة الأرض واعتزازها (٨) وامتناعها، وأرضنا أرض سريع تغيّرها، وشيك تنكّرها، سيئ ظنّ أهلها عند قحوط المطر، حتى أرسل الله بالقبول (٩) يوم الجمعة، فأثارت زبرجا متقطعا متمصّرا (١٠)، ثم أعقبته الشّمال (١١) يوم السبت، فطحطحت (١٢) عنه جهامه (١٣) وألّفت متقطّعه، وجمعت متمصّره، حتى انتضد فاستوى، وطما وطحا (١٤)، وكان (١٥) جونا (١٦) مرثعنّا (١٧)، قريبا رواعده، ثم عادت عوائده بوابل منهمل


(١) البيان والتبيين ١/ ٣٩٧.
(٢) البيان والتبيين ٤/ ٩٩.
(٣) الطش والرش والرذاذ: المطر القليل.
(٤) دقعت: خلت من النبات.
(٥) اقشعرت: تقبضت من الجدب.
(٦) اغبرت: تربت من الغبار.
(٧) تذرو: تسفى وتحمل.
(٨) الاعتزاز: من العزاز، وهى الأرض الصلبة.
(٩) القبول: الريح الشرقية.
(١٠) الزبرج: السحاب الرقيق، والمتمصر: المتقطع.
(١١) الشمال: الريح الشمالية.
(١٢) طحطحت: بددت وفرقت.
(١٣) الجهام: السحاب لا ماء فيه.
(١٤) طما: امتلأ وزخر، وطحا: انبسط وملأ الأفق.
(١٥) كان هنا بمعنى صار.
(١٦) الجون: الضارب إلى السواد
(١٧) مرثعنا: سائلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>