للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منسجل (١)، يردف (٢) بعضه بعضا، كلما أردف شؤبوب أردفته شآبيب (٣) لشدة وقعه فى العراض (٤). وكتبت إلى أمير المؤمنين، وهى ترمى بمثل قطع القطن، قد ملأ اليباب (٥). وسدّ الشّعاب (٦)، وسقى منها كلّ ساق. فالحمد لله الذى أنزل غيثه ونشر رحمته من بعد ما قنطوا (٧)، وهو الولىّ الحميد، والسلام».

ويتضح فى الرسالة ما اشتهر به الحجاج فى خطبه من تزيينها بالصور الدقيقة والألفاظ الغريبة. وكان غيره من الولاة والقواد لا يزالون يحتالون لكلامهم، وينمقونه صورا مختلفة من التنميق، وسنرى عما قليل طبقة من الكتاب المحترفين تتوفر على إدراك هذه الغاية بكل وسيلة، وهم كتّاب الدواوين.

وأخذت تشيع، وخاصة منذ أواخر القرن، كتابات وعظية كثيرة، وقد اشتهر عمر بن عبد العزيز بأنه كان يكتب إلى الوعّاظ أن يرسلوا إليه بعظاتهم، ويروى أنه لما ولى الخلافة أرسل إلى الحسن البصرى أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فدبّج له رسالة طويلة استهلها بقوله (٨).

«اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائلة وقصد (٩) كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة (١٠) كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعى الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذى يرتاد لها أطيب المراعى، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السّباع، ويكفيها من أذى الحرّ والقرّ. (١١) والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحانى على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم فى حياته، ويدّخر لهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره،


(١) منسجل: منصب.
(٢) يردف: يتبع.
(٣) الشآبيب: جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر.
(٤) العراض: جمع عرض وهو الناحية.
(٥) اليباب: الموضع الخالى لا نبات فيه.
(٦) الشعاب: المسالك والسبل.
(٧) قنطوا: يئسوا.
(٨) العقد الفريد ١/ ٣٤.
(٩) قصد: هداية.
(١٠) نصفة: من الإنصاف.
(١١) القر: البرد، مثلث القاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>