للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته».

ومضى يذكر له حقوق الرعية عليه وحقوق الدين وما ينتظره من الموت والبعث والوقوف بين يدى الله وما ينبغى أن يتزوّد لذلك من التقوى والحكم الصالح.

والحسن فى هذه الرسالة يستخدم نفس أسلوب خطابته الذى مرّ بنا وصفه، والذى يقوم على الازدواج وتزيين المعانى بالصور حتى تتمكن فى النفر، وكان يزيدها تمكينا بمقابلاته وطباقاته الكثيرة. وكان يجاريه-كما قدمنا-فى هذا الأسلوب كثير من الوعاظ، وعلى رأسهم غيلان الدمشقى، ويروى أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يعظه فى رسالة طويلة، منها قوله (١):

«اعلم يا عمر أنك أدركت من الإسلام خلقا باليا، ورسما عافيا، فيا ميّت بين الأموات لا ترى أثرا فتتّبع ولا تسمع صوتا فتنتفع، طفئ أمر السنة، وظهرت البدعة، أخيف العالم فلا يتكلم، ولا يعطى الجاهل فيسأل».

وقد أشاد الجاحظ ببلاغته (٢)، مشيرا إلى أن أدباء العصر العباسى كانوا يتحفظون كلامه وكلام الحسن البصرى، حتى يبلغوا ما يريدون من المهارة البيانية (٣). وما نشك كما أسلفنا-فى أن بلغاء الكتّاب فى عصرهما كانوا يجارونهما فى أساليبهما هما وأضرابهما من الوعاظ، فنحن لا نقرأ فى سالم وعبد الحميد الكاتب حتى نجد عندهما نفس هذا الأسلوب الذى يتحلى بالطباق والتصوير والذى يقوم على التوازن فى الكلام توازنا ينتهى به إلى الازدواج، حتى يؤثّرا فى أنفس من يقرءونهما ويستوليا على ألبابهم.

وبجانب الكتابات الوعظية والسياسية شاعت فى هذا العصر الكتابات الشخصية، بحكم تباعد العرب فى مواطنهم، وبتأثير بعض الظروف من موت يقتضى التعزية أو ولاية تقتضى التهنئة، أو شفاعة عند وال لقريب أو صديق، أو عتاب أو اعتذار. وطبيعى أن لا يعنى أصحاب هذه الكتابات بتسجيلها، لأنها لم تكن تتصل بحياة الأمة، ومن ثم سقط جمهورها من يد الزمن إلا بقية قليلة، فمن ذلك رسالة عقال بن شبّة إلى خالد القسرى فى شفاعة تجرى على هذه الصورة (٤):


(١) المنية والأمل لابن المرتضى ص ١٦.
(٢) البيان والتبيين ٣/ ٢٩.
(٣) نفس المصدر ١/ ٢٩٥.
(٤) جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت ٢/ ٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>