للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنانير والدراهم كل بدرة عشرة آلاف، وأعطى المأمون بوران ألف ياقوتة وأوقد لها شموع العنبر وبسط لها حصيرا منسوجا بالذهب مكللا بالدر والياقوت، ونثرت جدتها عليها حين جلس إليها المأمون ألف درة (١). وينوّه المؤرخون بأناقة المعتصم حتى قيل إن ثيابه كانت تشبّه بالزّهرة لتألقها (٢)، واشتهر بلبس قلانس طويلة ذات ألوان مختلفة سميت بالمعتصميات، كما اشتهر بأنه ألبس قواده وكبار جنده دراعات الديباج المنسوجة بالذهب المرصعة باليواقيت والأكاليل المرصعة بالدرر من كل لون (٣)، ويصف بعض المغنين مجلس الواثق فيقول: «لم يزل الخدم يسلموننى من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن ملبسة الحيطان بالوشى المنسوج بالذهب ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك، وإذا الواثق فى صدره على سرير مرصّع بالجوهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب» (٤).

وكان الوزراء وغير الوزراء من علية القوم يحيون هذه الحياة المترفة وينغمسون فيها انغماسا، جامعين لقصورهم ومجالسهم كل ما يمكنهم من طرف، ويصور ذلك-من بعض الوجوه-ما يروى عن الأصمعى من أنه دخل على الفضل بن يحيى البرمكى فى يوم بارد من أيام الشتاء «فإذا هو فى بهو قد فرش بالسّمّور (ضرب من الفراء) وهو فى دست منه وعلى ظهره دوّاج (ثوب) سمّور أشهب مبطن بخزّ، وبين يديه كانون فضة فوقه أثفيّة ذهب فى وسطها تمثال أسد رابض فى عينيه ياقوتتان تتوقدان» (٥).

وطبيعى أن يشيع فى هذا الجو الزاخر بالترف التأنق فى الملبس والثياب، وقد عمّ حينئذ ببغداد لبس الأزياء الفارسية، ومرّ بنا فى الفصل السابق كيف كانت كل طائفة من طوائف الموظفين ورجال الدولة تلبس زيّا خاصّا بها يميزها من الطوائف الأخرى. وكان المنصور أول من دفع إلى ذلك إذ رسم للوزراء لبس الدّرّاعات والطيلسانات والشاشيات، وأمر أفراد حاشيته بلبس القلانس الطوال


(١) مقدمة ابن خلدون ص ١٢١ والطبرى ٧/ ١٨٧ واليعقوبى ٣/ ١٨٦ والمسعودى ٣/ ٣٥١ وابن طيفور ١١٤ وابن الطقطقى ص ١٦٧.
(٢) أغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ٣٤٥.
(٣) المسعودى ٤/ ٩ - ١٢.
(٤) أغانى ٤/ ١١٦.
(٥) طبقات الشعراء لابن المعتز (طبع دار المعارف) ص ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>