للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باذخة مسرفة فى البذخ، بل وجهت توجيها خاطئا، على أساس دعوات دينية مارقة كدعوة الخرمية التى استوجت آراء المزدكية والمانوية، وحتى الشيعة وفرقهم أعلوا المقاصد الدينية على مقاصد العدالة الاجتماعية. وبذلك أخفقت هذه الثورات جميعا، لأنها لم تضع للشعب اللافتات والشعارات الحقيقية التى يلتف حولها ويعمل من أجلها، ومضى العباسيون وحواشيهم يغرقون إلى آذانهم فى البذخ والترف.

وقد هيأ هذا الترف لنشوء طبقة وسطى فى بغداد ومدن العراق من التجار والصناع الذين كانوا يقومون على مطالب الترف وأدواته، أما التجار فكانت سفنهم وقوافلهم غادية رائحة فى البحر والبر تجلب الطرف النفيسة من جميع أنحاء العالم، وأما الصناع فكانوا يتفننون فى صوغ التحف الثمينة. وكان مركزهم جميعا فى الأسواق حيث تتجمع حوانيت كل طائفة منهم فى سوق أو شارع. وكانت رءوس أموالهم تختلف قلة وكثرة وضيقا وسعة، فمنهم من كان رأس ماله ثلاثة آلاف دينار (١) ومنهم من بلغ رأس ماله مائة وأربعين ألف دينار ومليونين وستمائة ألف من الدراهم (٢)، ويقال إن ربح بعض التجار بلغ فى صفقة واحدة مائة ألف دينار (٣). وكان أكثرهم ثراء البزّازين والعطّارين وتجار التحف النفيسة.

ومن أهم الجوانب التى يتضح فيها بذخ الطبقة المترفة مطاعمها ومشاربها، فقد طعموا وشربوا فى أوانى الذهب والفضة وصحاف الصينى المزخرفة والصحاف الزجاجية المنقوشة والمحفورة، وتفنّن لهم الطهاة فى ألوان الطعام والشراب، وكانوا يسمّون باسم ما يعدونه منها من خبّاز وشوّاء وطبّاخ وخبّاص وهو الذى يصنع الحلوى وسرابى وهو صانع الشراب وألوانه. وفى كتاب البخلاء للجاحظ حشد كبير من الأطعمة والمشارب وهى فى جمهورها فارسية، فمنها السّباج وهو لحم يطبخ بخلّ مع شئ من الزعفران لتطيب رائحته، والطّباهج وهو طعام من لحم وبيض وبصل، والشّبارقات وهى شرائح مشوية من اللحم، ومنها الفانيذ وهو حلوى من الدقيق والسكر والسمن، والخشكنان وهو كعك بحشى بالجوز والسكر، والفالوذج وهو حلوى من النشا وعسل النحل والسمن، ومنها الجلاّب وهو شراب من ماء الورد.


(١) البخلاء ص ١٠١
(٢) البخلاء ص ٣٤
(٣) الجهشيارى ص ١٨٥، ٣١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>