للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا يتفننون تفننا واسعا فى إضافة الأفاويه إلى الأطعمة وصنع المشهيّات والمخلّلات الحرّيفة وصنوف النّقل من مثل مملوح البندق والجوز واللوز والفستق. وتكثر عندهم أسماء الفواكه من مثل التين والعنب والموز والكمّثرى والخوخ والرمان والإجّاص والسفرجل والتفاح، وكان البطيخ لديهم كثيرا حتى نسبوا إليه سوق الفاكهة، فسموها باسم سوق البطيخ ودار البطيخ.

ومما يدل على كثرة أفانين الطهاة فى الأطعمة ما يروى من أن مائدة المأمون ضمت ذات يوم ثلاثمائة لون (١)، وقد انبهر الأصمعى لكثرة ما رآه على مائدة الفضل بن يحيى البرمكى من ألوان الطعام وما غسلوا به أيديهم بعد الأكل من ألوان الطيب والغالية والعنبر (٢). ويقال إن المأمون كان ينفق على طعامه يوميّا ستة آلاف دينار بينما كان ينفق وزيره ابن أبى خالد على طعامه يوميّا ألف درهم (٣)، وهو نفس المبلغ الذى كان ينفقه إبراهيم الموصلى يوميّا على طعامه وطيبه (٤).

ومن تتمة هذا الترف فى المطعم أن نراهم يتواضعون على طائفة من آداب المائدة اقتبسوا كثيرا منها عن الفرس (٥)، فمن ذلك أن يضم الآكل شفتيه فى أثناء المضغ وأن لا يستأثر لنفسه بشئ من محاسن الطعام وأن لا يمسح فمه بكمه وأن لا يتناول إلا ما بين يديه وأن لا ينظر إلى ما بين يدى غيره وأن لا يطلب ما عسى أن لا يكون موجودا.

وعلى نحو ما كان للمائدة آدابها كان لمجالس الخلفاء والوزراء وعلية القوم أيضا آدابها، وهى تعرف بآداب المسامرة (٦)، وكان لا بد للنديم من إحسانها، حتى يخفّ على قلب منادمه، وكثير من هؤلاء الندماء استطاع أن يعتلى منصب الوزارة بما كان يحسنه من التبسط إلى الخليفة فى الحديث فى ساعات صفوه وغضبه، ومن لم يعتل منهم منصب الوزارة سالت عليه الصلات السنية، ولذلك لا نعجب أن يصبح الحذق بالمنادمة وما تتطلب من كياسة مطمحا لكثير من العلماء والأدباء ومن اللغويين والفقهاء وكل من يريد الحظوه عند خليفة أو وزير. وتلمع فى هذا الجانب أسماء الأصمعى وأبى يوسف منادمى الرشيد وثمامة بن أشرس نديم المأمون.


(١) ابن طيفور ص ٣٦.
(٢) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٢١٤
(٣) ابن طيفور ص ١٢٣.
(٤) أغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ١٦٤.
(٥) عيون الأخبار لابن قتيبة (طبعة دار الكتب) ٣/ ٢١٤
(٦) المسعودى ٣/ ١٩٥ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>