للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جوارى ابن رامين اللائى استقدمهن من الحجاز، واشترى المهدى سرّا من أبيه المنصور بصيص جارية ابن نفيس بسبعة عشر ألف دينار (١)، واشترى الرشيد ذات الخال بسبعين ألف درهم (٢)، بينما اشترى على بن هشام أحد قواد المأمون متيّم الهاشمية بعشرين ألف درهم (٣).

وكانت هذه الأثمان الباهظة التى تدفع فى شراء الجوارى اللاتى يحسنّ الغناء سببا فى أن يعنى المقيّنين بتعليمهن هذا الفن حتى يصيبوا من ورائهن الأرباح الطائلة، وجاراهم فى ذلك بعض المغنين الحاذقين من أمثال إبراهيم الموصلى، حتى يقال إنه كان عنده ثمانون جارية يعلمهن فن الغناء (٤). وكان ابنه إسحق على شاكلته يعلم الجوارى والغلمان جميعا، ويقال إنه علم غلامين-لبعض أمراء البيت العباسى-الغناء نظير مائة ألف درهم (٥). ولم يكن هو وأبوه وحدهما يحترفان هذا التعليم والتثقيف، فقد شركهما فيه كبار المغنين لعصرهما من مثل ابن جامع ويزيد بن حوراء وبعض الجوارى المحسنات للغناء، وهذا هو سر ما نجده عند صاحب الأغانى من نصه دائما على أساتذة المغنى المتقن والقينة المحسنة وتلامذتهما.

ويخيل إلى الإنسان أنه لم يبق فى بغداد ولا فى الكوفة ولا فى البصرة سرىّ إلا عمل على أن يقتنى قينة أوقيانا يشعن المرح فى داره. وكان من لا يستطيع اقتناء قينة يمكنه أن يستأجر من المقيّنين إحدى قيانهم لتغنيه ليلة أو ليالى متصلة، فالرواة يذكرون أنه كان لأبى النضير عمر بن عبد الملك جوار يغنين ويخرجن إلى أهل البصرة (٦)، وكانت قيان بربر فى الكوفة ما يزلن يختلفن إلى مطيع بن إياس ورفقته (٧)، وبالمثل كانت قيان بغداد يكثرن من الاختلاف إلى دور الشعراء، وكان الشعراء وغيرهم من فتيان بغداد يزورونهن فى دور أصحابهن من المقيّنين، وكانت أشبه بنواد كبيرة للغناء والموسيقى، فالناس يذهبون إليها شعراء وغير شعراء للمتعة بالسماع ورؤية الجمال من كل شكل وعلى كل لون، وكثيرا


(١) أغانى ١٥/ ٢٧.
(٢) أغانى ١٦/ ٣٤٢.
(٣) أغانى ٧/ ٢٩٣.
(٤) أغانى ٥/ ١٩٤ وانظر ٣/ ٢٥١ حيث اشترك مع يزيد بن حوراء فى تعليم طائفة من الجوارى فن الغناء.
(٥) أغانى ٥/ ٢٩٣.
(٦) أغانى (طبع الساسى) ٢٠/ ٧٤.
(٧) أغانى (طبع دار الكتب) ١٣/ ٣١١، ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>