للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدأها الوليد بن يزيد فى دمشق لآخر عصر بنى أمية ثم مطيع بن إياس ورفقاؤه من أمثال والبة بن الحباب فى الكوفة وبشار وأضرابه المجّان فى البصرة. ومن الحق لو أن العصر العباسى لم يقبل ويقبل معه الخراسانيون من الشرق لما اتسعت تلك الموجة ولا نحصرت فى حيز ضيق، فقد أحسّ الفرس أن الحياة واتتهم وأخذوا يعبّون كئوس الخمر مترعة، وتهالك الشعراء عليها من حولهم حتى أصبحت من أهم الموضوعات الجديدة فى الشعر العباسى، واشتهر فيها غير شاعر بخمرياته، على نحو ما هو معروف عن أبى نواس. ومن يقرأ فى الأغانى لأبى الفرج يخيّل إليه أن الناس جميعا شرفاء ومشروفين قد تورطوا فى إثمها تورطا، وكان منهم من يسرف فى شربها إسرافا شديدا حتى ليتناول منها عشرة (١) أرطال دفعة واحدة.

ويؤثر عنهم أنهم كانوا يكرهون أن يدور الشراب بين اثنين، لأن أحدهما قد ينهض لحاجة فيبقى صاحبه واجما، ومن أجل ذلك استحبّوا أن يدور الشراب بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة، بحيث لا يزيدون عن ذلك، حتى لا يستحيل الشراب إلى لون من ألوان الشغب، وفى ذلك يقول أبو نواس (٢):

ثلاثة فى مجلس طيّب ... وصاحب الدعوة والضارب

فإن تجاوزت إلى سادس ... أتاك منهم شغب شاغب

وقد تفنن الشعراء فى وصف نشوتها وآثارها فى الجسد والعقل ووصف دنانها وكئوسها ومجالسها وندمانها وسقاتها وكانوا عادة من النصارى والمجوس واليهود، وكانوا يزينون رءوسهم بأكاليل الزهر كما يزينون قاعة الشراب بالرياحين، وفى ذلك يقول أبو نواس خمريته (٣) التى كان يعجب بها الجاحظ إعجابا شديدا:

ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس (٤)

مساحب من جرّ الزّقاق على الثّرى ... وأضعاث ريحان جنىّ ويابس (٥)


(١) الحيوان ٢/ ٢٢٦ والأغانى ٥/ ٢٢٥.
(٢) ديوان أبى نواس (طبعة آصاف) ص ٣٥٦ وانظر ٣٥٨.
(٣) ابن المعتز ص ٢٠٦.
(٤) أدلجوا: ساروا الليل كله أو آخره. دارس: ممحو.
(٥) الزقاق: دنان الخمر. أضغاث: أخلاط.

<<  <  ج: ص:  >  >>