للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حبست بها صحبى فجدّدت عهدهم ... وإنى على أمثال تلك لحابس

أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحّل خامس

تدار علينا الرّاح فى عسجديّة ... حبتها بألوان التصاوير فارس (١)

قرارتها كسرى وفى جنباتها ... مهى تدّريها بالقسىّ الفوارس (٢)

فللخمر ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس (٣)

وهى خمرية تقطر حنينا وحبّا للخمر، فقد بثّ فى مطلعها لوعة عشاق العرب إزاء الرسوم الداثرة لوعة تجعلهم يحبسون مطيهم عندها وفاء لحق حبهم فيها، حتى إذا استتم هذه الصورة مضى يعلن صبابته بتلك الدار وكيف حبس بها صحبه أياما يتداولون كئوس الخمر التى كانت تشيع فيهم البهجة والفرحة بشكلها المادى وما ارتسم عليها من صور فارسية بديعة وبما تسكب فى بطونهم من رحيق الخمر ومتاعها المتصل.

ومنذ أول العصر نجد الخمر تقترن بالغناء والرقص، إذ تحول المقيّنون فى كرخ بغداد وفى البصرة والكوفة بدورهم إلى حانات كبيرة للشرب والقصف كل مساء، فكان الشعراء وغيرهم يؤمونها للشراب على غناء القيان وضرب الطبول والدفوف، ومن أشهر تلك الدور دار ابن رامين المقيّن فى الكوفة، فقد جلب إليها طائفة من قيان الحجاز، كان يختلف إليهن للشراب والسماع مطيع بن إياس وصحبه من الشعراء وابن المقفع ومعن بن زائدة الشيبانى وروح بن حاتم الباهلى (٤). وعلى شاكلتها دار إسماعيل القراطيسى المقيّن فى بغداد، وكانت مألفا لأبى نواس والحسين بن الضحاك وأبى العتاهية وغيرهم من الشعراء (٥).

وكانت البساتين فى ضواحى بغداد تمتلئ بالحانات التى يختلف إليها الشعراء وغيرهم من الفتيان كحانة بستان صبّاح التى وصفها مطيع بن إياس فى بعض شعره (٦)، ويروى الصولى أن أبان بن عبد الحميد أظهر من التهالك على الشراب


(١) مسجدية: كأس ذهبية.
(٢) المها: البقر الوحشى. تدريها: تدفعها.
(٣) الجيوب: أطراق الثياب.
(٤) أغانى (طبع دار الكتب) ١١/ ٣٦٤، ١٥/ ٦٧.
(٥) أغانى (ساسى) ٢٠/ ٨٩.
(٦) أغانى (دار الكتب) ١٣/ ٣٢١ وانظر كتاب الورقة (طبع دار المعارف) ص ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>