للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد عرفوا الكنائس والبيع والرهبان والأساقفة والصوامع، ولكنهم ظلوا لا يتعمقون فى هذا الدين الجديد، وظلوا يخلطونه بغير قليل من وثنيتهم، وربما كان مما يوضح ذلك خير توضيح قول عدى بن زيد العبادى (١):

سعى الأعداء لا يألون شرّا ... علىّ وربّ مكة والصليب

فهو يجمع فى قسمه بين رب مكة الوثنية ورب الصليب، وكذلك كان أكثر العرب من النصارى، فهم مسيحيون وثنيون فى الوقت نفسه. ومن يقرأ شعره لا يجد فيه فكرة التثليث المعروفة فى النصرانية.

والحق أن نصارى العرب فى الجاهلية إنما عرفوا ظاهرا من دينهم، وقلما عرفوا حدوده، وقد سقطت إلى أشعارهم وأشعار الوثنيين أنفسهم كلمات ومصطلحات كثيرة منه ومن شخوصه وطقوسه، فمنذ امرئ القيس وقوله (٢):

يضئ سناه أو مصابيح راهب ... أهان السّليط فى الذّبال المفتّل

والشعراء يرددون ذكر الرهبان ومحاريب كنائسهم، يقول الأعشى (٣):

كدمية صوّر محرابها ... بمذهب ذى مرمر مائر

وطالما تحدثوا عن نواقيسهم وقرعها فى أواخر الليل، يقول المرقش الأكبر فى بعض شعره (٤):

وتسمع تزقاء من البوم حولنا ... كما ضربت بعد الهدوّ النواقس (٥)

وعرض النابغة الذبيانى فى مديحه للغساسنة لتدينهم، ولبعض أعيادهم كعيد الشعانين ويسميه السّباسب إذ يقول فيهم (٦):

رقاق النّعال طيّب حجزاتهم ... يحيّون بالريحان يوم السّباسب


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ٢/ ١١١.
(٢) ديوان امرئ القيس (طبعة دار المعارف) ص ٢٤. وو السليط: الزيت.
(٣) الديوان (طبعة جاير) القصيدة رقم ١٨.
(٤) المفضليات (طبعة دار المعارف) ص ٢٢٥.
(٥) التزقاء: الصياح. والهدو: أوائل الليل
(٦) مختار الشعر الجاهلى للسقا ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>