للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلاهنّ الشّعانين ... علينا فى الزّنانير (١)

وقد زرّقن أصداغا ... كأذناب الزرازير (٢)

وأقبلن بأوساط ... كأوساط الزّنابير (٣)

وغناه فيها ابن صدقة ورقصت الوصائف فى أثناء الغناء، وشرب المأمون على رقصهن وغنائه وأكثر من شربه حتى تغشاه السكر (٤).

ومما لا ريب فيه أن إدمان الخمر حينئذ دفع إلى كثير من المجون والعبث والإباحية، وكان المجتمع زاخرا بزنادقة وملاحدة وأناس من ديانات شتى مجوسية وغير مجوسية، فمضى كثيرون يطلقون لأنفسهم العنان فى ارتكاب الآثام متحررين من كل قانون للخلق والعرف والدين. وكان من أهم العوامل التى هيأت لذلك السلع التى كانت تباع وتشترى من الجوارى والقيان، فقد كن من أجناس وشعوب مختلفة، ولم يكن يشعرن إلا فى النادر بشئ من الكرامة ولا كن يصطنعن شيئا من التحفظ والاحتشام وسعر ذلك فى قلوبهن النخاسون والمقينون الذين يبتزون عن طريق علاقتهن بالشباب والفتيان أموال السّراة. وبذلك تحولت كثرتهن إلى أدوات فتنة وإغراء وريبة ومجون وعبث، وأخذن يتفنّنّ فى الحيل التى يجذبن بها قلوب الرجال من شعراء وغير شعراء، مداعبات لهم بالتبسم وغامزات بطرف العين وناشطات معهم بالسكر، ولم تكن الواحدة منهن تكتفى برجل واحد، فقد كن يستكثرن من اتخاذ الخلان سالكات إلى ذلك طرقا مستقيمة ومعوجة، ووصف ذلك الجاحظ فقال: «ربما اجتمع عند القينة من معشوقيها ثلاثة أو أربعة. . فتبكى لواحد بعين وتضحك للآخر بالأخرى، وتغمز هذا بذاك، وتعطى واحدا سرّها والآخر علانيتها وتوهمه أنها له دون الآخر وأن الذى يظهر خلاف ضميرها، وتكتب لهم عند الانصراف كتبا على نسخة واحدة، تذكر لكل واحد منهم تبرّمها بالباقين وحرصها على الخلوة به دونهم، فلو لم يكن لإبليس شرك يقتل به ولا علم يدعو


(١) الزنانير: جمع زنار وهو خيط كان يشده غير المسلمين على أوساطهم تمييزا لهم.
(٢) الزرازير: جمع زرزور وهو طير مفوف الريش.
(٣) الزنابير: جمع زنبور وهو النحل.
(٤) أغانى (طبعة الساسى) ١٩/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>