للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى تصور ضراوة حقده العنيف على العرب، وقد مضى فيها يقارن بين بداوتهم الجافية وحضارة آبائه اللينة من الفرس والروم. وفى الحق أن شعوبيته كانت صارخة، إذ كان زنديقا وعدوّا للعرب ودينهم الحنيف عداوة ترسب فى ضميره وفؤاده.

وممن يسلكون فى شعراء الشعوبية أبو يعقوب الخريمى، ولم يكن جادّا فى تعصبه على العرب وخصومتهم، إنما كان يطلب التسوية بينهم وبين غيرهم من الشعوب، ولذلك ينبغى أن ينحّى عن جماعة الشعوبيين، وأدخل منه فيهم أبو نواس وشعوبيته إنما ترجع إلى شغفه بالخمر وعكوفه على المجون وإعجابه بالحضارات الأجنبية، فهى شعوبية ناشئة عن الاستمتاع باللذات، وكان يبتغيها ما وجد إليها سبيلا، ويجعلها غاية الغايات من حياته، وقد مضى يصور ذلك بدعوته إلى الانصراف عن الحياة المتبدّية الخشنة وما يتصل بها من بكاء الأطلال والوقوف برسوم الديار إلى الحياة الناعمة المترفة وما يتصل بها من النشوة بالخمر والغلو فى الشراب والإغراق فى اللذات، وله فى ذلك أشعار كثيرة. وكانت تسقط أسراب من هذه النزعة إلى شعراء النبط والهند، من مثل قول أبى الأصلع الهندى يفخر بالهند وما أخرجت بلاد الهند (١):

لقد يعذلنى صحبى ... وما ذلك بالأمثل

وفى مدحتى الهند ... وسهم الهند فى المقتل

وفيه السّاج والعاج ... وفيه الفيل والدّغفل (٢)

وينبغى أن نعرف أن الروح العربية-على الرغم من هذه الشعوبية-ظلت شامخة مسيطرة، يسندها الخلفاء وزعماء العرب من الولاة والقواد ومستشارى الدولة، كما يسندها الفقهاء والمحدثون وعلماء اللغة ورواة الشعر. وقد ردّ بعض شعراء العرب على الشعوبية وأصحابها على نحو ما نجد عند أبى الأصبع الأموى فى تصدّيه لعبد الله بن طاهر حين افتخر فى قصيدة له بنسبه من الفرس وبأبيه طاهر بن


(١) الحيوان ٧/ ١٧١.
(٢) الساج: نوع ثمين من الخشب، والدغفل: ولد الفيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>