للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسين قاتل الأمين، فقد نقضها نقضا بقصيدته (١):

لا يرعك القال والقيل ... كلّ ما بلّغت تضليل

وتجرّد نفر من الموالى أنفسهم للرد على أصحاب هذه النزعة الخبيثة وما تحمل من كيد للعرب ودينهم الحنيف على نحو ما يلقانا عند الجاحظ فى كتابه البيان والتبيين وابن قتيبة فى رسالته التى سماها «كتاب العرب» ومر بنا منذ قليل رأى الجاحظ فى أنها كانت تدفع الموغلين فيها دفعا إلى الإلحاد فى الدين والزندقة.

وكلمة الزندقة ليست عربية إنما هى تعريب لمصطلح إيرانى كان يطلقه الفرس على صنيع من يؤوّلون «الأقستا» كتاب داعيتهم زرادشت تأويلا ينحرف عن ظاهر نصوصه، ومن أجل ذلك نعتوا به دعوة مانى ومن فتنوا بها من الفرس. وأخذ مدلول الكلمة يتسع فى العصر العباسى ليشمل كل من استظهر نحلة من نحل المجوس، واتسعت أكثر من ذلك فشملت كل إلحاد بالدين الحنيف وكل مجاهرة بالفسق والإثم.

ومعروف أن جمهور الفرس قبل الإسلام كانوا مجوسا على دين زرادشت الذى ظهر فى ديارهم حوالى منتصف القرن السابع قبل الميلاد وما وضعه لهم من تعاليم (٢) ضمّنها كتابه «الأقستا» وفيه زعم أن للعالم إلهين هما «أهورا مزد» إله النور خالق كل خير و «أهرمن» إله الظلمة خالق كل شر، وأن وراء الحياة الدنيا حياة أخرى يكون فيها حساب الشخص على أعماله فإما النعيم وإما الجحيم، وأن النار مقدسة طاهرة مما جعل الإيرانيين يقيمون لها المعابد فى كل مكان. وظهر عندهم فى القرن الثالث الميلادى داع يسمى مانى مزج فى تعاليمه بين الزرادشتية والبوذية والنصرانية (٣)، فأبقى من الأولى على عقيدة إلهى النور والظلمة واستباحة الزواج بالبنات والأخوات، وأخذ من الثانية عقيدة التناسخ وتحريم ذبح الحيوان والطيور، وأخذ من الثالثة الزهد والنّسك، وفرض على أصحابه صلوات وأدعية


(١) أغانى (طبع دار الكتب) ١٢/ ١٠٤ وابن المعتز ص ٣٠٠.
(٢) انظر فى تعاليم زرادشت الملل والنحل للشهرستانى (طبعة كيورتن) ص ١٨٥ وتراث فارس (الطبعة العربية) ص ٣٦ وفجر الإسلام لأحمد أمين (الطبعة الأولى) ص ١١٨.
(٣) راجع فى مانى والمانوية الفهرست ص ٤٥٦ والشهرستانى ص ١٨٨ ومختصر تاريخ الدول لابن العبرى ص ١٢٢ وفجر الإسلام ص ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>